بقلم :: محمد غرس
لم يُقتل علي عبد الله صالح وحده بتلك الطلقات، بل قُتلت معه وانتهت طبقة سياسية يمنية باكملها، وحملت معه في تلك البطانية التي ظهرت فيها جثته بعد قتله، كان هو عرابهم جميعا مؤيدين له ومعارضين، سوى الذين هم في الرياض اليوم يغطون العدوان على بلادهم او البعض ممن هم في القاهرة، اما الذين هم في صنعاء فجميعهم صنيعته او يدورون في فلكه او كانوا يوما ما لعبته او جزء منها، فهو الى اليوم يعتبر الحاكم الذي حكم اطول مدة، والحاكم الذي خاض جميع الحروب اليمنية من بعد الاستقلال تقريبا ومع الجميع وضد الجميع.،
لعب مع اغلب الحكام العرب تحالف مع هذا فوق الطاولة وذاك تحتها ينتقد هذا الرئيس علناً في خطابه ويتصل به في الصباح متجاذبا معه اطراف الحديث.
اليمن اليوم يدخل عصرا جديدا وفصلا جديدا في مسيرته الحافلة بالاثارة والمأسي وايضا البقاء، فاليمن تاريخيا منذ القدم ديدنه البقاء وليس له من قوة كقوة البقاء والاستمرار، وسينسج توليفته الجديدة التي كانت فيما مضى عبارة عن تزاوج “القبيلة والجيش” مع تقاطعات سياسية انتجت مؤسسات جمهورية بمقاس يمني فريد له مذاقه اليمني كمذاق وتفرد قهوته ونكهة القشر والماء المبخر.
إنتهت الطبقة السياسية التي عرفها التاريخ اليمني بمقتل علي عبد الله صالح فهو كان تعبيرا عنهم جميعا في شيئا ما، وصورة من صورهم في موقف ما، هو الوحدوي الذي ابتلع دولة في دولته، وهو القبيلي والعروبي والزيدي وحتى الشافعي، وهو في بعض منه كان القبيلي والعسكري والبعثي والناصري والإصلاحي بل واشتراكي في بعض الأحيان، رقص سياسيا “الصنعاني واللحجي والحضرمي” ببراعه، كان داهية يعود بخصومه ومعارضيه في طائرته الخاصة،
هو الرئيس الشيخ الذي عاصر اقيال اليمن في الاربعين سنة الاخيرة من عمر اليمن وشهد وفاة اخر اقيالها حلفاءه وخصومه (عبد الله بن حسين الاحمر وسنان بن لحوم، وابوشوارب ومحمد عبد الملك المتوكل وغيرهم الكثيرين، واليوم بعدما تشظت القبيلة بصعود صغارها، و شهد سيطرة خصومه في الحروب الستة الحوثيين على صنعاء حتى شاركوه الشارع امام قصره وقراره السياسي، وشهد ايضا عمليات تحلل جيش اليمن البطل المقدام، وشهد العدوان الظالم الغاشم على بلاده وقاومه وطنياً طوال ثلاث سنوات تقريبا، بدل مواقفه وتغيرت تحالفاته، الداخلية والخارجية، ودفع اثمان باهضة في ذلك واصفا نفسه بانه اللاعب على رؤؤس الثعابين، ولا يعرف احد هل كان يقصد خصومه ام رجاله او لعله يقصدهم جميعا جميعاً، حتى لسعه اخر ثعبان في اخر لعبة لم يحسبها جيداً فأودت به.
سيطول امر اليمن، لقد تغير اليمن ودخل عصرا جديدا، فصنعاء اليوم ليست صنعاء الامس، لن يفلح ايا من الطبقة السياسية التي عاصرت وتخاصمت وتحالفات وعاشت وظهرت وانتعشت مع علي عبد الله صالح، لن تفلح في انقاذ اليمن، او احداث التغيير فيه، فصنعاء لن يحكمها احد تحت ازيز قصف ظائرات ال سعود وال نهيان، ولن يهنأ بها احد تحت شعارات مذهبية منسوبة لإيران او محسوبة عليها، فالدم لايموت عند اليمانيون إنه الاطول عمرا من اي شيء اخر.
وسيبقى الامر مفتوحا للجيل الجديد الذي لم يغادر اليمن يعيش ماساته ومأسيه، في القبايل والقرى والحارات والاسواق، وسيكون الطرف الثالث الذي لم تجرفه احدى الضفتين، وسينتج اليمن طبقته الجديدة من مقاومته للعدوان، ومن معاناته وحراكها ومن مدارسه الفقيرة وجامعاته ومن تطور الاحداث من الان وصاعدا، ومن التسويات الاجتماعية التي اعتادها اليمانيون الذين رغم كل الخصومات والدماء يبقى دائما لديهم طريق للقاء والاتفاق فيما بينهم، فلا شي يفسد ما في اليمن مثلما يفسده التدخل الخارجي او الايحاء به.
رحم الله كل قتلى اليمن من كل الاطراف، ورحم الله صديقي “ياسر العواضي” الأمين العام المساعد، الذي قتل بصحبة الرئيس علي عبد الله صالح، رحمهم الله جميعا، لقد عرفته شهما عربيا ودودا وصديقا محبا دمث الخلق، واشد حزني عليه، ولا نقول الا ما يرضي الله تعالى “إنا لله وإنا اليه راجعون” .. ادعو الله تعالى لليمن بالخير وان يعبر هذه الازمة، وان يبقى موحداً ..