( الْبَالُوص)

( الْبَالُوص)

كتب / عبد الرحمن جماعة

يُقال في المأثور الشعبي: “يضرب فيها بلا اباليص”.. المضروب غير مذكور، وهو هنا: (المقرونة) = المزمار المزدوج.. والضرب هنا؛ العزف. و(ابَّاليص) وأصلها (بواليص): جمع (بالوص)، وهو الجزء الصغير في جوف المزمار المسؤول عن إصدار الصوت… لكن.. دعونا من اللغة…. عندما تفقد المقرونة بالوصها فإنها تتحول إلى كير.. ويتحول العازف إلى نافخ كير.. ويتحول جمهور المستمعين إلى رماد! عندما تفقد المقرونة بالوصها فإن الحياة تفقد أنغامها.. وحين تفقد الحياة أنغامها تفقد حلاوتها.. وحين تفقد حلاوتها تتساوى مع الموت!! عندما تفقد المقرونة بالوصها تتحول الموسيقا إلى نفخ.. ويتحول النفخ إلى صُداع.. ويتحول الصداع إلى ورم يصعب استئصاله!! عندما تفقد المقرونة بالوصها، ستفقد كلماتٌ كثيرة معانيها، مثل كلمة: (فن)، و(إبداع)، و(ذوق)، و(متعة)، و(مهارة)…الخ عندما تفقد المقرونة بالوصها لن يبقى شيء سوى أشداق الزمار وفتحتي أنفه، وستصبح حركات أصابعه بلا معنى!!.. لكن دعونا من الموسيقا…. فالمثل لا علاقة له بالموسيقا، لأنه يُضرب لكل عملٍ بلا جدوى، لكل من يحرث في البحر، لكل من ينفخ في قربة ممزقة، لكل من يحارب طواحين الهواء.. لكل ليبي يصفق لأي سياسي، أو يمتدح أي سياسي، أو يؤيد أي سياسي؛ أملاً في أن يكون فيه خير، أو يأتي منه خير، أو أنه سيكون سبباً في مجيء خير، أو حتى – على الأقل – لا يقف في طريق الخير!! فالعسل لا يخرج من بطون الدبابير!!.. لكل ليبي يجلس أمام أي وسيلة إعلام ليبية وهو يرجو أن يسمع كلاماً يرضيه، أو كلاماً يُطربه، أو ما يبعث على التفاؤل، أو ما يدعو إلى الوئام والخير والمحبة ورأب الصدع، ووقف الاقتتال والتنازع، ونبذ الفرقة والشقاق، والتوقف عن بث روح الكراهية والحقد والتباغض.. أو – على الأقل – لا يسمع كذباً وتزويراً ونفاقاً!!.. إلى أي ليبي بدون تحديد.. إلى كل ليبي تحديداً.. إن الأسماء لا تدل – غالباً – على حقيقتها، وإن الأفعال لا تقود بالضرورة إلى أهدافها، وإن الحرف الذي لا يُعرِّيك لن يُعطيك متعته، ولن يُنتج ميلاداً جديداً. وإلى أن تجد البالوص والبوصلة.. فلا بد أن تعرف أن الذي أمامك هو نافخٌ وليس عازفاً.. وأنه لن يُتحفك بشيء سوى رذاذ لعابه المتطاير على وجهك.. تعس العازف والمعزوف له!!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :