الْعلاقـاتُ الأثْـيُوبِيّة ـ الأرِيتْرِيّة “مِن التّأزّمِ إلى الانْفِراج

الْعلاقـاتُ الأثْـيُوبِيّة ـ الأرِيتْرِيّة “مِن التّأزّمِ إلى الانْفِراج

كتب :: السفير/ جمعة إبراهيم عامر رابطة الدبلوماسيين الليبيين

” (2) من (2) توقفنا فى الجزء الأول من هذا المقال عند حالة الجمود التي وصلت إليها العلاقات الأثيوبية الأريترية بسبب رفض تنفيذ قرار اللجنة الدولية لترسيم الحدود بين البلدين ، ونواصل الحديث فى هذا الجزء …فى أبريل 2018 صعد إلى سدة الحكم في أثيوبيا رئيس جديد هو الدكتور ” أبيى أحمد ” الذي ينتمي إلى قومية الأرومو أكبر القوميات الأثيوبية ، وهو أول مسلم يحكم أثيوبيا على مدى تاريخها . انتهج الرئيس أبيي استراتيجية جديدة في علاقات بلاده مع دول الجوار وخاصة أريتريا من فهم عميق مغزاهً أن استمرار التوتر بين البلدين لن يخدم مصالح شعبيهما الذين تربطهما أواصر التصاهر والقربى ، بل من شأنه إثارة القلاقل وانعدام الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وأفريقيا بأسرها فاتخذ قراره ، ففي التاسع من يوليه 2018 استيقظ شعبا أثيوبيا وأريتريا على خبر مفاجئ هو وصول رئيس الحكومة الأثيوبية أبيي أحمد إلى العاصمة الأريترية أسمرا في أول زيارة يقوم بها مسؤول أثيوبي رفيع المستوى بعد قطيعة سياسية ودبلوماسية استمرت أكثر من عقدين . في أسمرا وقع الرئيس الأثيوبي ورئيس أريتريا أسياسي أفورقي على إعلان مشترك للسلام والصداقة أعيدت بموجبه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وبعد أسبوع واحد رد الرئيس أفورقي الزيارة فوصل إلى أديس أبابا وفتح السفارة الأريترية بها واستبقت الخطوط الجوية الأثيوبية هذه التطورات بأن سيرت رحلة من أديس ابابا إلى أسمرا ، وجاءت المفاجأة الثانية بإعلان الرئيس أبيي عزمه على تنفيذ قرار لجنة ترسيم الحدود وتسليم بلدة بادمى إلى الحكومة الأريترية . ماهى الأسباب التى كانت وراء إقدام الرئيس الأثيوبى على هذه الخطوة ؟ وهل سبقتها اتصالات دبلوماسية مع أريتريا ؟ وما سبب التجاوب السريع للرئيس الأريتري مع هذه المبادرة؟ وهل لدول من المنطقة ومن خارجها دور في هذا التقارب ؟ في حالة المبادرة الأثيوبية لابد أن ترتيبات كانت قد سبقت هذا العمل الدرامي وتمت على أعلى المستويات ، المؤكد أن قرار الدكتور إبيي بتنفيذ قرار اللجنة الدولية لترسيم الحدود مع أريتريا تشاور بشأنه مع حزبه وحكومته وأعلنه أمام البرلمان قبل زيارة أسمرا ، أماسبب تصالحه مع الرئيس أفورقي فقد استوجبته عدة أسباب منها الرغبة في عودة أثيوبيا إلى ميناء عصب باتفاقية جديدة لأن الميناء يعتبر الشريان الذي تعبر منه صادرات وواردات أثيوبيا من وإلى الخارج لاسيما وأن هذا الترتيب تزامن مع اتفاقات توصلت إليها أثيوبيا مع السودان وجيبوتي وجمهورية أرض الصومال لإيجاد منافذ أخرى عبر البحر الأحمر ، ثم إن بقاء حالة الطوارئ واستمرار حالة الحرب على الحدود مع أريتريا ومرابطة الآلاف من أفراد الجيش الأثيوبي في المنطقة أرهق خزينة الدولة بصرف أموال على الجنود يمكن توجيهها لصالح التنمية .

والمصالحة التي تمت مع أثيوبيا تصب أيضا في صالح الرئيس أفورقي فمن شأنها فك عزلته وإراحة المواطن الأريتري الذي اضطر عشرات الآلاف من شبابه للفرار من البلاد خوفا من مطاردات التجنيد الإجباري ،وربما يفتح هذا التقارب الباب أمام عودة اللاجئين الأريتريين إلى بلادهم وقد يستثمر الرئيس أفورقي علاقته مع الرئيس أبيي للتوسط في حل خلاف الحدود بين أريتريا وجارتها جيبوتي من الشرق علاوة على تمهيد الطريق لتفعيل عضوية أريتريا في منظمات دول المنطقة مثل ” الإيقاد ” وإنعاش الحركة في الموانئ الأريترية ، ورفع الحصار الذي فرض على حكومة الرئيس أفورقي منذ عام 2009 لاتهامها بتدريب جماعات متطرفة منها حركة الشباب في الصومال التقارب الأثيوبي ـ الأريتري باركته وشجعته عدة دول ، فالسعودية والإمارات يهمها طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، للحيلولة دون أي مسعى دولي أو إقليمي لاستغلال حالة التوتر التي كانت سائدة بين أثيوبيا وأريتريا لتنفيذ مخططات تزويدهما بالسلاح وبالتالي إيجاد موطئ قدم خاصة في أريتريا التي تطل سواحلها على أهم المنافد البحرية في العالم ، وللبلدين منافع أخرى هي أن الاستقرار في المنطقة سيفتح أبوابا جديدة أمام الاستثمارات السعودية والإماراتية وهو مايفسر أهداف الزيارة التي قام بها ولي عهد دولة الإمارات إلى أديس أبابا في الآونة الأخيرة وضخ بلاده لمليارات الدولارات لتحسين حالة الاقتصاد الأثيوبي . من ذات المنظور رعاية الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفل اتفاق سلام جديد وقعه بمدينة جدة يوم 16 سبتمبر 2018 الرئيس الأريتري إسياسي أفورقي ورئيس الحكومة الأثيوبية أبيي أحمد بحضور وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد ، وقد أعطى الاتفاق بعداً دولياً بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لحضور مراسم التوقيع،من جانبهمايعتبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أثيوبيا شريكاً مهماً لمكافحة الإرهاب كما يعتبر تصالحها مع أريتريا عاملاً حيويا لوقف هذه الأنشطة الهدامة ، وأيضاً وقف سيل المهاجرين واللاجئين إلى الدول الغربية الذي يشكل الأريتريين والأثيوبيين منهم نسبة كبيرة . المخطط الذي بدأه رئيس الحكومة الأثيوبية والهادف إلى تحقيق مصالحات مع دول الجوار سيجني ثماره إذا ماصاحب هذا التحرك السياسي والدبلوماسي بتحقيق التوازن بين القوميات الأثيوبية التي كثيراً ماكانت سبباً فى اندلاع صراعات حتى مع الحكومة المركزية بأديس أبابا وصل إلى درجة إسقاطها ، فقومية التيجراي التي ينتمي إليها الرئيس الراحل ملس زيناوي هي التي أسقطت نظام ” الدرك ” وسيطرت عناصرها على معظم مفاصل الدولة وفي ظل التطورات الجديدة فسطو ونجومية هذه القومية سيخبوان ويندثران مع سطوع نجوم قادة جدد من قومية الأورومو التي كانت قد دخلت في مواجهات مع حكومة الرئيس زيناوي ومع حكومة خلفه هيلي ماريام ديسيلين حين خرج مواطنو هذه القومية في مظاهرات وحشود كبيرة تصدت لها القوات الحكومية وقتلت منهم المئات ، ولا يستبعد أن تكون هذه الأحداث هى أحد الأسباب فى الاستقالة المفاجئة للرئيس ديسيلين .

الوضع الجديد لن ترضاه قومية التيجراي التي فقدت بلدة بادمي نتيجة المصالحة مع أريتريا وهذا تحد يواجه الدكتور أبيي أحمد يتعين عليه التعامل بحنكة وصبر لأنه رغم ماحدث فإنه مازال يشكل فتيل اندلاع نزاع داخلي في أثيوبيا سيدمر الطموحات التي يسعى الرئيس في تحقيقها ، والتعامل مع التحديات الداخلية يجب أن يكون له صداه في علاقات أثيوبيا مع دول الجوار التي يمكن أن تستغل الوضع في الداخل لممارسة الضغوط على الرئيس أبيي وحكومته ، وهذه الفرضيات ليست غائبة عن ذهن الرئيس ولا يستبعد أن يسعى لحل النزاع الأثيوبي الصومالي حول منطقة الأوغادين ، وتعزيز أواصر علاقات بلاده مع السودان وتسوية الخلاف مع مصر حول سد النهضة . أما التصالح الذي بدأه مع أريتريا فيكمن نجاحه في توفر الإرادة السياسية الحقيقية لقيادة البلدين ، ودعم المبادرة من الشعب الأثيوبي والأريتري هو الكفيل بتحقيق حل شامل للأزمات المتكررة والحروب المتتالية التي ضاع بسببها عشرات الآلاف من الضحايا ودمرت إمكانيات شعبين في مواجهة مسلحة يمكن وصفها بحرب الجياع وحرب الفقراء كما أن زوال التطاحن واختفاء هاجس الشك هما الكفيلان بإزالة عامل الخوف وتعزز عوامل الثقة وبالتالي انتشال شعبين مترابطين عرقيا وجغرافيا من الحروب ومآسيها وإفساح المجال أمامهما ليعيشا في أمن وكرامة في وطنين آمنين ومتصالحين . ً

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :