محمود السالمي
ما زلنا معك عزيزى القاريء ، نتجول فى معاني ومفردات الأغنية الشعبية ، ونستطلع خفايا مكنوزة ، وموضوعات جديدة تتواري فى كل بيت من أبياتها ولعله من نافلة القول انه مهما ركزنا البحث والدراسة فى خفايا الأغنية الشعبية يضل مجالها خصباً واسعاً ومفتوحاً لمزيد من البحث ، وذلك لندرة الدراسات التى تناولت مجال الأغنية الشعبية ، وفى تقديري أننا مازلنا فى طور انطلاقة فعلية لوضع قاعدة موسوعية تعتمد الدراسة العلمية والبحث المنهجي لكل ما يتعلق بها ، إذ شهدت وسائل الإعلام المرئية و المسموعة والمكتوبة فى بلادنا التفاته غير مسبوقة لتأصيل اتجاه البحث فى مجال الأغنية الشعبية … وفى هذه الحلقة سنتطرق إلى أن قائل الأغنية الشعبية القديمة يجوب فى بحثه عن جمال المعنى ودقة التعبير موضوعات يوظفها للوصول إلى مقصده من الأغنية ، وقد وجدت ضمن اغانى الواحة نصوصاً توظف الاتجاه الديني المتمثل فى صدق الالتجاء إلى الله وطلب العون منه لبلوغ المراد و لصياغة أغنية تفوح منها نكهة النفحة الدينية فمثلا هذا نص أغنية يقول :
انا طالبك يا وسيع الافضالى تصدق مقالي تسخر غلا ولفتى زهو بالى
فهو هنا يتجه إلى الله جلا وعلا وهو واسع الفضل كثير العطاء طالباً منه أن لا يرده خائبا وان يكون عند الرجاء وان يصدق مقاله أمله فى الله بأن ( يسخر غلا ولفتى زهو بالى ) اى أن يجعل أقداره تُسخر له حب من الفها قلبه ( غلا ولفتى ) فى زهو البال والخاطر وبدونها لن يطيب له عيش ، وينطلق بعد ذلك ليقول :
انا طالبك يا سريع الإجابة اتسهل أسبابه بجاه الأنبياء والرسل والصحابة
نضيف العضا سمح صقلة أنيابه امذيبل بحالي ومنه انضليت سابن أشغالي
يعود الشاعر فى بيته الأول لكي يطلب من الله الموصوف بأنه سريع الاستجابة للمخلصين أن يسهل له أسباب الوصول لمن يحب ليكون قريباً منه ، وهو فى هذا الطلب يتوسل بشفاعة الأنبياء ثم الرسل وصحابة الرسول الكريم محمد من العترة الطاهرة وهو فى هذا التسلسل يأخذهم بالتدريج وحسب التسلسل المنطقي لقربهم من الذات العلية له الذى جاء فى كتاب الله ، ثم ينتقل بعد ذلك ليصف الانسانة او المرأة التى احب بقوله ( نضيف العضا سمح صقلة أنيابه ) فهي ذات بشرة صافية ونقية جميلة الملامح تمتاز بأعضاء ممتلئة مكتنزة بيضاء نظيفة وهى أيضا تتمتع بابتسامة مشرقة عذبة لجمال أسنانها التى تتكشف عندما تبتسم ( سمح صقلة أنيابه ) وحب هذه المرأة أذبله وانحل جسمه ( امذيبل بحالي ) وقد ترك كل ما يشغله من أعمال وتبع هذا الحب الذى يقول عنه انه كالغي والظلال بعد التوبة … ثم يستمر فى توسله لله بقوله :
انا طالبك يا مجيب المنادى بلا حس صادي تحير مرض مسكنه فى فؤادي
فيك قاطع الضن تجلى انكادى ويسقام حالي ويهنا بعد كان مشغول بالى
ولان الله هو مجيب لكل من يناديه بقلب مخلص فهو يقول ( انا طالبك يا مجيب المنادى ) ولان الدعاء يتطلب الخضوع والذلة فى المسألة فهو يطلب الله فى خفوت وفى هدأة الليل ( بلا حس صادي ) اى بدون أن يرفع صوته بالدعاء فالله قريب يسمع همس الهامسين ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وهو يشعر بأن هناك مرض مسكنه الفؤاد قد ( تحير ) اى تحرك وصار يشغله الا وهو الحب وهو يقطع الضن والشك باليقين أن الله سيستجيب له ويجلى النكد الذى يعيش فيه ( فيك قاطع الضن تجلى انكادى ) ثم ( يسقام حالي ) اى تستقيم الأمور بعد ذلك و ( يهنا بعد كان مشغول بالى ) ويواصل بقوله :
انا طالبك يا وسيع الافضال تفضي البال تسخر لنا منيتي بالحلال
انشاكيت با الناس قالوا هبال ومنه لجالى جميع الكدر والسهر والليالي
يخاطب هنا واسع الفضل أن يهدى روعه وينزع الهموم منه ويفرغ باله مما يعانيه و أن يسخر له المرأة التى تمناها بالحلال الذى هو الزواج بلا شك ( تسخر لنا منيتي بالحلال ) فهو أن اشتكى مما يعانيه من حب لاحد من الناس سيقولون أن كلامه ضعف فى العقل والتفكير ووصفه بأنه ( هبال ) لذلك يقول ( أن شاكيت با الناس قالوا هبال ) ثم يقول ( ومنه لجالى ) اى منه لجأ لي ( جميع الكدر والسهر والليالي ) .
انا طالبك يا كريم المعاطى ولا نكش باطى وبين كان التو خيرك يواطى
أتجلى من القلب كثر القطاطى بعد كان مالي ويرتاح ما يلتفت شور والى
يخاطب الشاعر الله ويصفه بكريم المعاطى ثم يستخدم كلمة ( ولا نكش ) وهى كلمة عامية تعنى ( ما أنت ) وكلمة ( باطى ) يقصد بها غير المفيد الفارغ الأجوف الذى لا يستفاد منه وهذا دليل على قوة الاعتقاد فى الله ، ففضل الله وخيره يأتى على رأى الشاعر ( بين كان التو خيرك يواطى ) اى بين الماضي واللحظة يغير الله من حال إلى حال وينزل الرحمة والخير من سمائه إلى عباده .. ويطلب منه أن يجلى ويبعد عنه الهموم ويزيحها عن قلبه ( بعد كان مالي ) اى بعد أن كان مملوء بها ليرتاح ولا يلتفت إلى غير الله بعد ذلك ( ويرتاح ما يلتفت شور والى ) ويقول أيضا :
انا طالبك يا مغيث العمايل ولك فضل طايل تعطى وفى عطوتك بالتمايل
تعجل لنا بو حلق بو نبايل مريح لجالى وسعت مياميه تحلف غزالى
يناشد الشاعر مغيث العباد من أعمالهم وذنوبهم وهو الله سبحانه تعالى ( مغيث العمايل ) وفظله و خيره عم وطال الناس جميعاً بلا استثناء وهو يعطى وعطائه دائماً يكون بالتمام والكمال وبلا منة ( تعطى وفى عطوتك بالتمايل ) ويطلب منه أن يعجل بوصوله لمن احب وهى المرأة التى وصفها بقوله ( بو حَلْقْ بو نبايل ) الحلق هي الأقراط التى توضع فى أذن المرأة للزينة ، أما النبايل إلى وردت فى الأغنية فهي جمع ( نِبْيلة ) وهى نوع من الأساور الذهبية التى تعرفها النساء فى ليبيا ثم يقول ( وسعت مياميه تحلف غزالى ) وكلمة ( مياميه ) جمع ميم وتعنى العين اى أن اتساع عيون المحبوبة تشبه عيون الغزال وقديماً قال الشاعر العربي :
لها من الريمِ عيناهُ ولفَتتُهُ ونخوةُ السابقِ المختالِ إذ صَهَلا