تقرير :: شعبان يونس التائب
الناير كإبداع حديث للحركة الأمازيغية ما نقصد به في هذا العنوان الفرعي يواصل الصامت ” هو أن الحركة الأمازيغية والمتمثلة في شخص المناضل الأوراسي عمار نقادي ، قام بتركيب العنصر الأول ( السنة الفلاحية الأمازيغية ) بالعنصر الثاني ( الأسطورة الشعبية لفرعون الأمازيغ ) من أجل وضع تقويم أمازيغي جديد للأمة الأمازيغية وهذا سنة 1980 . أي أنه قام بالبحث في التاريخ المصري والأمازيغي عما يتفق مع الأسطورة الشعبية التي تقول بحرب الأمازيغ مع الفراعنة أو بفوز الأمازيغ على الفراعنة ، فصادف تاريخ اعتلاء القائد الأمازيغي شيشنق عرش الفراعنة وتأسيسه للأسرة الثانية والعشرين وهو حدث تاريخي قريب جدا من الأسطورة الشعبية ، ويمثل خاتمة المعارك بين الأمازيغ والمصريين ونهاية المحاولات الكثيرة لشعوب شمال أفريقيا من السيطرة على مصر لأسباب يرجعها مؤرخو مصر إلى الجفاف الذي حل في أرض الأمازيغ ، وهو أمر مشكوك فيه فلوحة الغنائم أو لوحة الليبيين تترجم لنا وفرة الثروة الحيوانية والزراعية (الزيتون) والمدن السبعة الظاهرة فيها ، واللباس الفاخر الذي كان يظهر به العنصر الأمازيغي في لوحات أخرى ، فالمؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي زار مصر وفينيقيا ومناطق أخرى في القرن الخامس يقول في كتابه الرابع عن الليبيين (الأمازيغ) في الفقرة 178 : “ والحق أنه ليس في المعروف لدينا من الشعوب من هو في مثل صحة الليبيين. ولست أستطيع القول بدقة ما إذا كان ذلك بسبب من هذه العادة ، لكنهم أصح الناس بالتأكيد ،” فلاشك وأن هذه الصحة الجسدية كانت بسبب التغذية الجيدة وهي سبب اكتساب الليبيين لأجسام قوية كما تظهره الرسوم المصرية، وهذا يجعل الليبيين شعبا مستقرا في أرضه وهو ما يعطي احتمالا كبيرا أن دوافع الهجمات الأمازيغية على مصر لم تكن بسبب الجوع والجفاف بل لأسباب دينية تعلق على الأرجح بمعبد الإله آمون ونيت وهما آلهة أمازيغية عبدها المصريّون. ارتباط التقويم الأمازيغي بالملك شيشنق يقول الباحث مادغيس مادي ” إن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية قديم قدم الأمازيغ أنفسهم ، وارتباطه بالملك شيشنق أو غيره ليس هو الأساس ، ولكن الأساس هو الاحتفال بالسنة ، كل الأجندات والتقاويم بدأت بأساطير مؤسسة لها ، والتقويم الأمازيغي ليس استثناء بل هو جزء من ذلك ، تقول أسطورة الأمازيغ إن رأس السنة ” ايغف امسقاس ” مرتبط بملك جبار يسمى برعو وتختلف هذه الروايات عن كينونة هذا البرعو ، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أن برعو اسم فرعون باللغة المصرية القديمة ، توجد تسميات أخرى متداولة كالاسم الذي يطلق على آخر يوم في السنة المنصرمة وأول يوم في السنة الجديدة وهو ” ائض نفرعون ” والمقصود هنا ليلة فرعون مصر ، وباعتبار أن الروايات الشفوية لا تموت و تتلبس بلباس الدين الجديد قيل إن هذه الليلة هي ليلة فرعون موسى “. استنادا لهذه الروايات قام العالم الاجتماعي عمار نفاذي في فترات مبكرة بربط التقويم الأمازيغي بالملك شيشنق بعد أن درس الموضوع بتمعن ، وجمع جميع الروايات الشفوية حول هذا الموضوع ، وتوصل إلى أن أقرب فرعون يمكن أن يحتفل به الأمازيغ هو الملك شيشنق الذي اعتلى عرش مصر سنة 950 قبل الميلاد تقريبا ، فبنى التقويم على هذا الأساس ، وحسب الأستاذ مصطفى الصامت فإن ” فكرة عمار نقادي صائبة وذكية ، فتاريخ ششناق منقوش ومدون بشكل لا يقبل النكران والتزييف فاسمه وارد في لوحة “حور باسن” المحفوظة الآن بمتحف اللوفر والتي أثبتت نسبة الأمازيغي ، و كذلك جدار معبد الكرنك الشهير ، كما جاء ذكره في الكتب السماوية على أن الله عاقب وأدب اليهود بتسليط ششناق عليهم ، بعدما عصوا الله، حيث جاء في التوراة أخبار الأيام الثاني، الإصحاح 12 الفقرات 01-12 : ”
وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْ عَامَ صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ، لِأَنَّهُمْ خَانُوا ٱلرَّبَّ، 3 بِأَلْفٍ وَمِئَتَيْ مَرْكَبَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَدَدٌ لِلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهُ مِنْ مِصْرَ: لُوبِيِّينَ وَسُكِّيِّينَ وَكُوشِيِّينَ. 4 وَأَخَذَ ٱلْمُدُنَ ٱلْحَصِينَةَ ٱلَّتِي لِيَهُوذَا وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ. فَجَاءَ شَمْعِيَا ٱلنَّبِيُّ إِلَى رَحُبْعَامَ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا فِي أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ شِيشَقَ، وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَنْتُمْ تَرَكْتُمُونِي وَأَنَا أَيْضًا تَرَكْتُكُمْ لِيَدِ شِيشَق. وجاء في الإنجيل سفر الملوك الأول 14: ” {25} وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ لِلْمَلِكِ رَحُبْعَامَ، صَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،{26} وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ. وَأَخَذَ جَمِيعَ أَتْرَاسِ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ
. وتشير المراجع التاريخية التي تعرضت لحقبة شيشنق أنه حكم مصر سنة 950 قبل الميلاد وأسس الأسرة الثانية والعشرين ، واستمر حكمه واحدا وعشرين سنة استطاع فيها أن يوحد مصر ويضم إليها السودان وفلسطين وسوريا ، واستمر حكم الأمازيغ لمصر الفرعونية لمدة قرنين من الزمن من خلال الأسر الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين .
مظاهر هَذا الاحتفال وأبرز خصوصياته تختلف مظاهر إحياء مناسبة رأس السنة الأمازيغية من منطقة إلى منطقة أخرى، ولكن هذه الاختلافات حسب الصامت هو اختلاف شكلي فقط أما من الناحية الأنثروبولوجية فهي نفسهامن جزر الكناري غربا إلى واحة سيوة شرقا ، باعتبارها تشترك في نفس الهدف وهو الاحتفال ببداية عام جديد ومحاولة ترويض الطبيعة والتماس أسباب الخير والسعادة في محصول زراعي وافر للسنة الجديدة ،والتعوذ من شبح الجوع والجفاف وكذلك اشتراك كل هذه الطقوس في بعض الواجبات والأحكام التي لا يجب مخالفتها .
ففي مدينة أوجله يقول الإعلامي محمد الصابر الأوجلي ” إحياء رأس السنة الأمازيغية إرث تاريخي بالنسبة للأمازيغ الذين يبذلون جهوداً وتضحيات كبيرة للحفاظ على هويتهم وثقافتهم الأصلية.
تعتبر مدينتي أوجلة يضيف الصابر كغيرها من المدن الأمازيغية الليبية تعمل على الحفاظ على هذا الإرث وعلى هويتها الأمازيغية ، و حسب روايات كبار السن ومنهم عمي الحاج عبدالرحمن بوقبول كان قبل حوالي 50 عاما من الآن يحتفل أهل أوجلة برأس السنة الأمازيغية والتي كان يعرفها الناس المحليون باسم ( يْنَّاير ) ، وكانت تسمى أيضا بكبيرة ( الحزوزة ) ويحتفل بها الأهالي بطهو الحبوب ( القمح والقصب و الشعير وما إلى ذلك مما تنتجه أرض أوجلة الطيبة ) وكان الأهالي يجتمعون في يوم الكبيرة ويحتفلون ويأكلون بهذه المناسبة السعيدة متأملين أن يكون بداية عامهم الفلاحي الجديد عاماً مثمراً رغيداً ، وكبيرة الحزوزة كانت تعرف في أوجلة بأنها الليلة التي تقسم الشتاء بالنصف ويكون الطقس فيها بارداً نوعاً ما. أما في مدينة زوارة أقصى غرب ليبيا فقد اختفت مظاهر إحياء رأس السنة الأمازيغية وانتقلت جميع عادات و طقوس هذا الاحتفال إلى يوم عاشوراء وفي اعتقادي أن هذا التغير جاء بسبب حرب وطمس الثقافة الأمازيغية في موطنها والذي بلغ ذروته أثناء فترة حكم الدولة الفاطمية التي عملت على نشر الأفكار الشيعية على حساب الثقافات المحلية الأصلية ، ومن أبرز هذه التقاليد التي انتقلت من ينار إلى عاشوراء تقليد تيمغطال أو ايسسران كما يسمى محليا وعادة خروج الأطفال في مجموعات لطلب تسوسلت ” الهدية ” من الأقارب والجيران وهي عبارة عن بيض وفول وحمص وحلويات ، وتبديل مكان الأثافي ” اينين ” وطلاء الجدران والأواني ، و طبخ البيض والفول والحمص والخبز” تازبيت أو اغروم امغلوس ” والحرص على وضع قطع من هذا الخبز في جميع أواني البيت ومحتوياته لغرض جلب البركة “ايقاز نتنميرت ” وجميعها عادات أمازيغية موغلة في القدم مرتبطة بإحياء رأس السنة الأمازيغية لازال البعض منها يمارس في مدينة زوارة وعدد كبير من المدن الليبية في يوم عاشوراء ، وتبدلت من مظاهر معبرة عن الفرح والأمل والتفاؤل والاحتفال بالأرض واستقبال موسم فلاحي خصب وعام جديد مليء بالخير والنماء والبركة، إلى مظاهر حزن وكآبة مرتبطة بما يمارسه الشيعة في عاشوراء حزنا على مقتل الحسين، أغلب هذه العادات لازالت تمارس بنفس الكيفية في رأس السنة عند أمازيغ الجزائر والمغرب مع بعض التغييرات في تونس وجبل نفوسه . ويذكر الباحث موحمد أمادي بعض من العادات والتقتايد التي تمارس في هذه المناسبة أهمها : * وضع عرف شجرة طري على الأبواب أو تعلق على حافة السقف ، فمن عادات مدينة زوارة تعليق جريدة نخيل للتعبير عن الفرح ، وبقيت هذه العادة مستمرة إلى وقت قريب جدا حيث كان الناس يعلقون جريد النخيل مع السجاد أمام البيوت والمحلات التجارية في المناسبات والاحتفالات الدينية والوطنية كتعبير عن الفرح . * طبخ كسكسي سبع خضار من الخضار المحلية بدون لحم ويؤخذ منه أجزاء وتوضع على الأبواب وفي المواقد طلبا للبركه ويقدم مع الكسكي طبق فواكه وطيغواو ، ويتم في هذا اليوم الذي يوافق 12 ينار وهو أول أيام الاحتفال تغير واحد من الأثافي الثلاثة ( اينين ) ويطلى المطبخ ومكان الموقد ، ويخرج الأطفال لطلب تسوسلت كما في عاشوراء الآن( تسوسلت هي عطايا تعطى للأطفال كالبيض والفول والحمص والحلويات ) وجرت العادة أن تنتهي جميع الأعمال قبل هذا اليوم وتوفير جميع احتياجات الاحتفال برأس السنة والتفرغ الكامل للاحتفال . * يوم 13 ينار وهو اليوم الثاني للاحتفال تبدل الحجرة الصانية للموقد “اينين” ويطبخ أو تشوى برب التمر أو العسل أو الزبدة كفطور ، وفي الغداء كسكسي بسيع خضار أيضا ويحرص الناس على إشباع أطفالهم في هذا اليوم حتى يكون عام خير وشبع وبركه ، وفي العشاء تطبخ تميغطال ( ايسسران ) من المنتوجات المحلية للأرض والقرقوش والكتف الذي كانت الجدات تحرص على الاحتفاظ به من لحم عيد الأضحى ، ,في المساء يفرح الناس ويحتفلون بالأرض وخيراتها والعام القادم ويتذكروا أحداث العام الذي سبقه وذكرياته. * يوم 14 ينار وهو يوم الاحتفال الأخير واليوم الأول للسنة الجديدة تبدل حجرة الأثافي الأخيره ” اينين ” وتبدل كل الأواني القديمة ، وعند الميسورين يبدل كل شيء في البيت ، ويعطى للأطفال في هذا اليوم تيغواو وما جمعوه أثناء خروجهم ومرورهم على البيوت في الليلة السابقة . وإضافة لما ذكرة اومادي يضيف الأستاذ مصطفى الصامت تقاليد أخرى قد تختلف مع ما ذكره اومادي في المظهر ولكن تتفق معها في الجوهر والمظمون ومن أبرزها: * يتم إحياء هذه المناسبة في امناطق الشرقية بالأوراس وتونس بإعداد أشهى الأطباق التقليدية حيث تحضر الشخشوخة باستعمال لحم الغنم أو البقر وكذلك طبق إيرشمن وتكثر الأطباق التي تطبخ فيها الحبوب الجافة من قمح وحمص وفول. بعض الأطباق تعدللنساء وتمنع على الرجال ، والنساء ملتزمات في هذا اليوم بتغيير الأواني وتجديد الموقد وصباغة الجدران وترقيعها بمادة “ثومليلث” أو “هومليلت” . * في منطقة القبائل ومنطقة شنوة بتيبازة يتم إعداد طبق بسبعة أنواع من الحبوب يسمى ”سبعا إسوفار ” ويشترط ذبح ديك والذي يوحي أنه كان يقدم قديما كقربان ( أسفل) ويشترط على أن يأكل أفراد العائلة حتى يشبعوا جميعا ، فيقال إنه كما وجدك رأس العام سيحل عليك طوال العام بنفس الحال . حتى أنه يمنع في ذلك اليوم إعارة الأواني لأنه نذير على الفاقة
* في إقليم الونشريس وغرب الجزائر، إضافة إلى ذبح الدّيك وإعداد الموائد الفاخرة يتم إفراغ كمية كبيرة من الحلوى والمكسرات على رؤوس الأطفال تيمنا بكثرة ووفرة الخير عليهم في المستقبل أو في السنة الجديدة . * و في المغرب : تستحضر ألعاب للأطفال مثل لعبة “تيشقيفين” في هذه المناسبة ويتم إعداد الأطباق ويشترط وفرة الكمية حتى يشبع الجميع بل يترك بعض منها على زوايا الغرفة كنصيب للأرواح المباركة (أعساس ن وخام ) ، كما يشترط تقديم كمية إضافية حتى للحيوانات الأليفة التي يتم تربيتها . من هنا يتضح لنا أن هدف هذه الطقوس واحد عند جميع سكان شمال أفريقيا مرتبط بالسنة الفلاحية التي تبدأ من يوم 12 أو 13 أو 14 حسب المناطق ، والهدف كما رأينا هو التماس سنة جديدة تحل عليهم بمحصول زراعي وافر يحقق لهم الخير والصحة والاستقرار وينجيهم من شبح الجفاف والقحط والجوع الذي يجلب كل الشرور والمآسي