مسرحية
محمد بويش
الفنان :
تعالي فجري الآن الجدار….
الكاتب: (ضاحكا)
لن يخرج من سماكة الجدار اسمها…
هي مسافة فقط بين حبري والبياض …
يعود إلى آلته الراقنة…يظهر الفنان و المجدلية في سجن وأمامهما الكاتب يحاول تغيير الرواية
المجدلية :
خائفة أنا… لا سرج لي لأعرب من لجامه ..
الفنان :
لا تخافي .. ارتمي على ناصية الاقتراب مني لنغلق النهاية معا ..
الكاتب :
أيها المعتقل بنصي..
أيتها السجينة حبري…
احتموا بالقضبان لأنسج البدء في ارتجافي …
الصمت …
الصمت …
أريد الصمت الآن…
الآلة الراقنة بصوتها تشد المكان …
المجدلية :
أيها القرصان ..
لن نستسلم … ولن تأكلنا فواصل الانقراض ..
الكاتب يقف في مكانه يشد على القضبان يكلم المجدلية..
الكاتب :
تستخرج أنفاسك في منتصف الرواية…
لن يولد النمل خارج مغارتي …
لا أريد الحب ..
لا أريد امرأة في النص ..
أنت سليلة الحبر الذي يرسم ارتفاع صوتي إلى الأبدية …
ذوبي في نصي …
عودي إلى المرآة حتى لا أراك ..
الفنان :
لا …لا ..
لن تموت في يومك ولن يقف الجدار من جديد …
الكاتب يجر المجدلية إلى المرآة من جديد..
الكاتب :
أنا … أنا من خلق الحروف لاستنتج عشقكما ..
وفي عقلي نهاية أريدها ..
في حبري سر الموت على عتبة النص ..
لا حب في نصي الآن …
لا حب في نصي الآن …
تختفي المجدلية بعد وصولها إلى المرآة… الكاتب بعد سقوط الفنان يخرجه من السجن و يقابله من جديد..
الكاتب :
الآن اكتب ما يمليه النص ..
عدنا إلى النهاية نزعت عنك الحب و الجدار …
هل فهمتني الآن …
أنت لا تمتلك الوقت … أنا أضع وقتك .. وحبيبتك .. واعرف تفكيرك..
الفنان :
اوووف … إذن لا عقارب وقت تمحي زمني فيك ..
الكاتب : (يرتب لعبة الشطرنج من جديد)
تعال لنكمل اللعبة … قد تنجو من موتك…
الفنان :
قاتل أنت … لست ذا الإنسان إلا الذي تخثر دمه بالقهر …
الكاتب :
أكون قابض روحك الآن ..
الفنان :
كما قتلت حبيبتي وأخرجتها من النص …
هل تريد لي نهاية رواية لن يقبل بها أحد..
الكاتب :
الواقع يقبل كل النهايات لأنه يعرفك جيدا …
أنت حشرة خطيرة على المجتمع…
أنت شخصية مآلها الانتحار …
الفنان :
لست ذاك الذي أعاد الحبر المعطى إليه … أنا فنان ..
أنا فنان رسمت الفقر … الظلم … و قلت الحق …
أريد أن أقاوم …
أريد أن أقاوم ….
الكاتب : (ضاحكا)
تقاوم … اخبرني بما تقاوم …
بهذه الفوضى التي تعيق عقلك…
موتك أفضل من الحياة …
الفنان :
إذن هذا تفكيرك الآن…
الكاتب : (بهدوء)
هذا هو تفكيري … الأول والأخير …
أريد عودتك إلى الرواية…
لأختم بجرحك كل المآسي التي بدأتها بك…
من أول نقطة حبر على البياض …
الفنان :
اتركني أفكر …
الكاتب : (مشيرا بتناوله سيجارة)
هل تدخن …؟
الفنان:
لا يلزمني ..
الكاتب : (بتناوله كأس ماء)
هل تشرب …؟
الفنان :
لست عطشان … عطشي الوحيد للحرية …
الكاتب :
إذن لم يبقى الوقت الكافي للتفكير…
وقتك محدد على ساعة الجدار …
لا بد أن تقبل بالأمر الواقع …
الفنان :
هل أنا المجرم الوحيد في هذه البوصلة…
التي تقود أنت اتجاهها…
الكاتب :
و من يكون غيرك …
الفنان :
من يقرأ روايتك أليس لهم رأي في ما يحدث …
الكاتب :
يصفونك بالمجنون …
الفنان :
مجنون ..؟
هل لأني وقفت معهم وصرخت بكل الأسماء التي يحملونها…
الكاتب :
اتهموك بقيادتهم إلى المقصلة…
الفنان :
أظنهم خافوا منك …
لأنك تمتلك سلطة القلم…
الكاتب :
ليس هذا … أنا أمتلك الحقيقة أيها الغبي …
يا عبد الله … هم يكذبون عليك …
أنا أردت أن يعترف بك التاريخ…
وتسرد حياتك كبطل يكتب فوق لحده ..
عبد الله فنان شهيد..
الفنان :
لا … لا… الحقيقة فنان مغتال …
الكاتب :
ومن يقتلك ما دمت تعترف بالأمر الواقع وتنتحر في النهاية لتترك وصيتك للقراء ..
الفنان : (يحرك لعبة الشطرنج)
لماذا أنا اليوم مقيد في هذه المهزلة…
وفي الرواية شخصيات أخرى مأمورة مثلي…
هل لأني فنان لا بد أن انتحر…
الكاتب :
نعم … لأنك فنان وضعيف…
الفنان :
لم افهم …
مسجون في كل كلمة أقولها أو أنوي أن أخرجها من فمي …
الكاتب :
لا تتكلم إذن ..
الفنان :
أصرخ ..
الكاتب :
لا تفعل…
الفنان :
أصرخ …
الكاتب :
تكلم إذن .. أنت مقاوم بالموت سواء صرخت أو لم تفعل ..
الفنان :
لن أصرخ .. مادام صراخي حبيس نصك …
الكاتب :
إذن … عد إلى الرواية ونتفق على نهاية نرضاها معا …
(يناوله كأس ماء)
اشرب.. لتستطيع المقاومة..
الفنان :
أظنه مسموما .. و تريد قتلي..
الكاتب :
لا … لم أفكر في هذا الأمر ..
وأنا أريدك أن تقبل أنت بالموت ..
الفنان :
وإن قبلت..
الكاتب :
يذكرك التاريخ …
الفنان :
يذكرني ..
فنان مهزوم لا يفرق بين الفصول…
بين الحق و الباطل ..
فنان لا يدرك من أين تشرق الشمس ..
تريد انتحاري …
لا بد أن تنتحر كل شخصيات الرواية معي…
الكاتب :
شخصيات الرواية نائمة ومقدرة إلى حين…
وأنت لا يجب أن تكون في مثل هذا التوقيت…
لا بد من خروجك…
الفنان :
ما دام الأمر في يدك …
وفي هذه اللعبة القذرة …
مارس سلطة قتلك وننتهي ..
الكاتب :
لن أقتلك ..
الفنان :
اقتلني..
الكاتب :
لن أقتلك…
تعود إلى بداية الرواية لتعيد لي كل ما منحتك…
الفنان :
وما منحتني إلا الصعود دوما بصخرة فوق كتفي..
الكاتب :
منحتك الأمان …
لأنك ضحية مجتمع لا يفهمك …
حين تنتحر سيتم تكريمك …
الفنان :
لا أحتاج تكريما من أحد …
أريد حريتي …
الكاتب :
رجل مواقف … رجل لم يرتجف للموت لأنه فنان…
هذه مهزلة السقوط في المتاهة من جديد …
و هذا البيدق أمامك لا يحتمل إلا رابحا واحدا …
الفنان :
أنت مجرم و حقير ..أنت شيطان..
الكاتب :
أنا كاتب مغمور أريد الصعود إلى سدرة الوعي…
الفنان : (يقف متحديا له)
لن تظهر بجلدي …
الفنان لا بد أن يقاوم …لا بد أن يحي..
يتصارعان لتسقط لعبة الشطرنج على الأرض و يسقطان معا
نهاية العرض
تظهر شخصية أخرى تعيد ترتيب لعبة الشطرنج من جديد .. لتقول…
المجهول :
وتستمر اللعبة من جديد ..
فقط تتغير الشخصيات و تتبدل الأدوار..
ويبقى الصراع دوما بين البياض والسواد …ولعبة الموت والحياة…
انتهتمحمد بويش