بينهما لا يلتقيان (الجزء الثالث والأخير )

بينهما لا يلتقيان (الجزء الثالث والأخير )

مسرحية

محمد بويش

الفنان :

تعالي فجري الآن الجدار….

الكاتب: (ضاحكا)

لن يخرج من سماكة الجدار اسمها…

هي مسافة فقط بين حبري والبياض …

يعود إلى آلته الراقنة…يظهر الفنان و المجدلية في سجن وأمامهما الكاتب يحاول تغيير الرواية

المجدلية :

خائفة أنا… لا سرج لي لأعرب من لجامه ..

الفنان :

لا تخافي .. ارتمي على ناصية الاقتراب مني لنغلق النهاية معا ..

الكاتب :

أيها المعتقل بنصي..

أيتها السجينة حبري…

احتموا بالقضبان لأنسج البدء في ارتجافي …

الصمت …

الصمت …

أريد الصمت الآن…

الآلة الراقنة بصوتها تشد المكان …

المجدلية :

أيها القرصان ..

لن نستسلم … ولن تأكلنا فواصل الانقراض ..

الكاتب يقف في مكانه يشد على القضبان يكلم المجدلية..

 الكاتب :

تستخرج أنفاسك في منتصف الرواية…

لن يولد النمل خارج مغارتي …

لا أريد الحب ..

لا أريد امرأة في النص ..

أنت سليلة الحبر الذي يرسم ارتفاع صوتي إلى الأبدية …

ذوبي في نصي …

عودي إلى المرآة حتى لا أراك ..

الفنان :

لا …لا ..

لن تموت في يومك ولن يقف الجدار من جديد …

الكاتب يجر المجدلية  إلى المرآة من جديد..

الكاتب :

أنا … أنا من خلق الحروف لاستنتج عشقكما ..

وفي عقلي نهاية أريدها ..

في حبري سر الموت على عتبة النص ..

لا حب في نصي الآن …

لا حب في نصي الآن …

تختفي المجدلية بعد وصولها إلى المرآة… الكاتب بعد سقوط الفنان يخرجه من السجن و يقابله من جديد..

الكاتب :

الآن اكتب ما يمليه النص ..

عدنا إلى النهاية  نزعت عنك الحب و الجدار …

هل فهمتني الآن …

أنت لا تمتلك الوقت … أنا أضع وقتك .. وحبيبتك .. واعرف تفكيرك..

الفنان :

اوووف … إذن لا عقارب وقت تمحي زمني فيك ..

الكاتب : (يرتب لعبة الشطرنج من جديد)

تعال لنكمل اللعبة … قد تنجو من موتك…

الفنان :

قاتل أنت … لست ذا الإنسان إلا الذي تخثر دمه بالقهر …

الكاتب :

أكون قابض روحك الآن ..

الفنان :

كما قتلت حبيبتي وأخرجتها من النص …

هل تريد لي نهاية رواية لن يقبل بها أحد..

الكاتب :

الواقع يقبل كل النهايات لأنه يعرفك جيدا …

أنت حشرة خطيرة على المجتمع…

أنت شخصية مآلها الانتحار …

الفنان :

لست ذاك الذي أعاد الحبر المعطى إليه … أنا فنان ..

أنا فنان رسمت الفقر … الظلم … و قلت الحق …

أريد أن أقاوم …

أريد أن أقاوم ….

الكاتب : (ضاحكا)

تقاوم … اخبرني بما تقاوم …

بهذه الفوضى التي تعيق عقلك…

موتك أفضل من الحياة …

الفنان :

إذن هذا تفكيرك الآن…

الكاتب : (بهدوء)

هذا هو تفكيري … الأول والأخير …

أريد عودتك إلى الرواية…

لأختم بجرحك كل المآسي التي بدأتها بك…

من أول نقطة حبر على البياض …

الفنان :

اتركني أفكر …

الكاتب :  (مشيرا بتناوله سيجارة)

هل تدخن …؟

الفنان:

لا يلزمني ..

الكاتب : (بتناوله كأس ماء)

هل تشرب …؟

الفنان :

لست عطشان … عطشي الوحيد للحرية …

الكاتب :

إذن لم يبقى الوقت الكافي للتفكير…

وقتك محدد على ساعة الجدار …

لا بد أن تقبل بالأمر الواقع …

الفنان :

هل أنا المجرم الوحيد في هذه البوصلة…

التي تقود أنت اتجاهها…

الكاتب :

و من يكون غيرك …

الفنان :

من يقرأ روايتك أليس لهم رأي في ما يحدث …

الكاتب :

يصفونك بالمجنون …

الفنان :

مجنون ..؟

هل لأني وقفت معهم وصرخت بكل الأسماء التي يحملونها…

الكاتب :

اتهموك بقيادتهم إلى المقصلة…

الفنان :

أظنهم خافوا منك …

لأنك تمتلك سلطة القلم…

الكاتب :

ليس هذا … أنا أمتلك الحقيقة أيها الغبي …

يا عبد الله … هم يكذبون عليك …

أنا أردت أن يعترف بك التاريخ…

وتسرد حياتك  كبطل يكتب فوق لحده ..

عبد الله فنان شهيد..

الفنان :

لا … لا… الحقيقة فنان مغتال …

الكاتب :

ومن يقتلك ما دمت تعترف بالأمر الواقع وتنتحر في النهاية لتترك وصيتك للقراء ..

الفنان : (يحرك لعبة الشطرنج)

لماذا أنا اليوم مقيد في هذه المهزلة…

وفي الرواية شخصيات أخرى مأمورة مثلي…

هل لأني فنان لا بد أن انتحر…

الكاتب :

نعم … لأنك فنان وضعيف…

الفنان :

لم افهم …

مسجون في كل كلمة أقولها أو أنوي أن أخرجها من فمي …

الكاتب :

لا تتكلم إذن ..

الفنان :

أصرخ ..

الكاتب :

لا تفعل…

الفنان :

أصرخ …

الكاتب :

تكلم إذن .. أنت مقاوم بالموت سواء صرخت أو لم تفعل ..

الفنان :

لن أصرخ .. مادام صراخي حبيس نصك …

الكاتب :

إذن … عد إلى الرواية ونتفق على نهاية نرضاها معا …

(يناوله كأس ماء)

اشرب.. لتستطيع المقاومة..

الفنان :

أظنه مسموما .. و تريد قتلي..

الكاتب :

لا … لم أفكر في هذا الأمر ..

وأنا أريدك أن تقبل أنت بالموت ..

الفنان :

وإن قبلت..

الكاتب :

يذكرك التاريخ …

الفنان :

يذكرني ..

فنان مهزوم لا يفرق بين الفصول…

بين الحق و الباطل ..

فنان لا يدرك من أين تشرق الشمس ..

تريد انتحاري …

لا بد أن تنتحر كل شخصيات الرواية معي…

الكاتب :

شخصيات الرواية نائمة ومقدرة إلى حين…

وأنت لا يجب أن تكون في مثل هذا التوقيت…

لا بد من خروجك…

الفنان :

ما دام الأمر في يدك …

وفي هذه اللعبة القذرة …

مارس سلطة قتلك وننتهي ..

الكاتب :

لن أقتلك ..

الفنان :

اقتلني..

الكاتب :

لن أقتلك…

تعود إلى بداية الرواية لتعيد لي كل ما منحتك…

الفنان :

وما منحتني إلا الصعود دوما بصخرة فوق كتفي..

الكاتب :

منحتك الأمان …

لأنك ضحية مجتمع لا يفهمك …

حين تنتحر سيتم تكريمك …

الفنان :

لا أحتاج تكريما من أحد …

أريد حريتي …

الكاتب :

رجل مواقف … رجل لم يرتجف للموت لأنه فنان…

هذه مهزلة السقوط في المتاهة من جديد …

و هذا البيدق أمامك لا يحتمل إلا رابحا واحدا …

الفنان :

أنت مجرم و حقير ..أنت شيطان..

الكاتب :

أنا كاتب مغمور أريد الصعود إلى سدرة الوعي…

الفنان : (يقف متحديا له)

لن تظهر بجلدي …

الفنان لا بد أن يقاوم …لا بد أن يحي..

يتصارعان لتسقط لعبة الشطرنج على الأرض و يسقطان معا

نهاية العرض

تظهر شخصية أخرى تعيد ترتيب لعبة الشطرنج من جديد .. لتقول…

المجهول :

وتستمر اللعبة من جديد ..

فقط تتغير الشخصيات و تتبدل الأدوار..

ويبقى الصراع دوما بين البياض والسواد …ولعبة الموت والحياة…

انتهتمحمد بويش

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :