بين وعود بلا تنفيذ، ومعاناة بلا نهاية، يظل الجنوب أسير نقص الوقود

بين وعود بلا تنفيذ، ومعاناة بلا نهاية، يظل الجنوب أسير نقص الوقود

تقرير : بية فتحي خويطر :: تصوير عمر الانصاري

_ العادلي يمتنع عن الإدلاء بتصريحات بشأن أزمة الوقود في مستودع سبها النفطي.

_صلاح الحاسي : تقليل الكميات وتقصير شركة البريقة وراء استمرار نقص الوقود في الجنوب

_خالد إبراهيم : لجنة لخلق الأزمة وطالما لم تُحل مشكلة الازدحام، تبقى اللجنة بلا فائدة.

_الأزمات ليست موسمية أو طارئة، بل مستمرة منذ أكثر من عقد.

لا تزال أزمة الوقود في الجنوب الليبي تتصدر المشهد اليومي، رغم الوعود المتكررة بإنهائها، ورغم الإجراءات التي وُصفت بأنها حاسمة، من تفعيل منظومة الكود، وتشديد الحماية الأمنية، إلى إغلاق السوق السوداء. ومع ذلك، ما زالت الطوابير تمتد أمام المحطات، والمعاناة تتكرر، والأسئلة تزداد ثقلاً مع مرور الوقت.

وفي وقت سابق  صرحت لجنة متابعة الوقود لفسانيا عن خطة عاجلة وواعدة لإنهاء الأزمة، مؤكدة أن منظومة الكود وإغلاق السوق السوداء خطوات مؤقتة لكنها ضرورية نحو الحل.

اليوم، وبعد مرور هذه الفترة، نجد أن المنظومة المؤقتة أصبحت واقعًا دائمًا، وأن الوعود بقيت حبرًا على ورق، ما يجعلنا نتساءل: أين هي النتائج؟ ولماذا ما زالت معاناة المواطن على حالها؟

ونعود اليوم لتسليط الضوء مجددًا على واقع الأزمة بعد مرور أكثر من عامين على تقرير سبتمبر 2023، لنقف على مدى تحقق تلك الوعود وأين وصلت الخطط التي قيل إنها ستنهي معاناة الجنوب.

أكد صلاح الحاسي، رئيس لجنة منظومة الكود، أن أزمة الوقود في الجنوب تعود إلى عدة عوامل رئيسية، من بينها تقليل الكميات المخصصة للمنطقة وتكاثر المحطات التي تخدم عدداً محدوداً من المحطات الفرعية، مشيراً إلى أن عدد المحطات في مدينة سبها وحدها يبلغ 21 محطة، وهو ما يزيد من حدة الأزمة.

وأوضح الحاسي أن اللجنة تأسست في الأساس كآلية لضمان وصول الوقود إلى المواطنين دون تهريب أو بيعه في السوق السوداء، مؤكداً أن اللجنة حققت نجاحاً ملموساً في هذا الجانب بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها. واستمرت اللجنة في الدور التنظيمي من خلال متابعة توزيع الوقود على المحطات، ومراقبة عملها، وقياس الكميات المستلمة، وكشف أي عجز، واتخاذ الإجراءات القانونية بمحاسبة المخالفين وإحالتهم إلى الجهات المختصة.

وأشار الحاسي إلى أن حصة الجنوب تبلغ حالياً مليون لتر فقط، وهو رقم يسبب أزمة كبيرة في ظل الطلب المتزايد. ولفت إلى وجود قرار صادر عن النائب العام بتقليص هذه الحصة إلى 700 ألف لتر، وهو قرار لم يتم تنفيذه حتى الآن، محذراً من أن تطبيقه سيؤدي إلى تفاقم الأزمة بشكل أكبر.

ونفى الحاسي مسؤولية المستودع عن تقليص الكميات، مؤكداً أن شركة “البريقة” هي الجهة المسؤولة عن هذا الجانب، مشيراً إلى أن اللجنة طالبت الشركة مراراً وتكراراً بزيادة الكميات، لكنها واجهت الرفض المستمر.

وأوضح أن منظومة الكود ليست فقط إجراءً تنظيمياً، بل تحمل بعداً أمنياً مهماً، ساعد في ضبط توزيع الوقود ومنع عمليات التهريب من خلال سلسلة من الإجراءات التي أسفرت عن ضبط 2580 مركبة بسبب عدم تطابق أرقام الهياكل، والقبض على 435 شخصاً متورطين في تزوير الأرقام الوطنية، وتحويلهم للجهات المختصة ، وسحب 3000 رقم وطني لأشخاص مرتبطين بقضايا قانونية سابقة بالإضافة إلى حجز 495 مركبة لأجانب غير مقيمين داخل ليبيا ، وإعادة 230 مركبة مسروقة إلى أصحابها خلال السنوات الماضية.

وأشار الحاسي إلى أن منظومة الكود كانت تضم 170 ألف مركبة في الجنوب، لكنها انخفضت إلى 120 ألف مركبة بعد إيقاف المركبات المخالفة وغير القانونية، مثل تلك التي تخص الأجانب غير المقيمين، والمركبات التي تحمل أرقام هيكل غير مطابقة، إضافة إلى الأرقام الوطنية المزورة والممسوحة بقرار النائب العام.

وأكد أن اللجنة حققت إنجازات كبيرة منذ تأسيسها وحتى اليوم، مشيراً إلى أن العجز في توفير الوقود يعود إلى تقصير شركة “البريقة” في زيادة الكميات المخصصة.

وبيّن أن إصدار بطاقات الوقود يعتمد على الرقم الوطني والرقم الإداري للمواطنين، وعلى رقم الإقامة بالنسبة للجالية، مضيفاً أن الأجانب رفضوا التوكيلات الجديدة التي تسمح باستخراج البطاقة، والتي كانت تستخدم في التهريب عبر تزوير الإقامة.

وذكر أنه بعد تطبيق منظومة البطاقات، انخفض عدد سيارات السبارات في منطقة القطرون من 18 ألفاً إلى 6000 مركبة، نتيجة سحب الأرقام الوطنية المزورة وتوقيف المخالفين بناء على قرارات النيابة العامة.

وفيما يتعلق بمدينة مرزق، أوضح الحاسي أن الإقبال على استخراج البطاقات كان محدوداً، مشيراً إلى توجه بعض المواطنين إلى مناطق لم تُفرض فيها المنظومة بعد، لافتاً إلى أن اللجنة تعتزم فرض البطاقة في كافة بلديات الجنوب قريباً.

ونفى الحاسي الشائعات المنتشرة حول قرار بمنع تعبئة الوقود بأكثر من 6 دنانير، موضحاً أن أهالي وادي عتبة طلبوا تحديد سعر 7 دنانير للوقود بسبب نقص الكميات في المنطقة، وهو ما تم تنفيذه.

وختم تصريحه بأن هناك كميات كبيرة من الوقود في الطريق، معبراً عن تفاؤله بأن الأوضاع ستشهد تحسناً قريباً.

وفيما يتعلق بمستودع سبها النفطي، امتنع عامر خليفة العادلي، مدير إدارة العمليات بمنطقة سبها بشركة البريقة لتسويق النفط، عن الإدلاء بأي تصريحات إعلامية رغم محاولات التواصل المتكررة.

أوضح المواطن ، امبارك إبراهيم  أن المواطن غير معترض على منظومة الكود كإجراء تنظيمي، لكنه يشدد على ضرورة توفير الوقود بشكل كافٍ ، وأن يتمكن من تعبئة سيارته بحرية كما هو الحال في باقي مدن ليبيا، مشيرًا إلى أنه لا علاقة لهم بمسألة السيارات المسروقة.

في المقابل، يرى فرج العماري أن منظومة الكود كانت خطوة ممتازة ساهمت في ضبط العديد من الخروقات والتجاوزات، مؤكداً أن الجنوب دائمًا سباق في تطبيق القانون، ومتمنيًا أن تتوسع المنظومة لتشمل كافة ربوع ليبيا للقضاء على التجاوزات بشكل شامل.

أما خيري عمر، فيعبر عن رأيه بأن المواطن لا يفهم لغة الأرقام والإحصائيات، لكنه يحتاج فقط إلى الوقود لتلبية احتياجاته اليومية.

بينما يلفت مسعود حمد إلى استمرار أزمة الطوابير التي لم تحل بعد، مشيرًا إلى أن الكثير يشتكون على الإنترنت لكن الواقع أمام الجهات المختصة مختلف، ويعتبر أن الكود نظام جيد.

أما محمد القذافي، فيرى أن الحلول المطروحة بشأن البطاقات ومنظومة الكود “حلول تلفيقية” لا علاقة لها بحل الأزمة الحقيقية، معتبراً ما يجري عارًا على أهل فزان، ومؤكدًا وجود آلاف الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة.

أما إبراهيم سالم، فيطرح تساؤلات عن كميات الوقود التي تصل إلى المستودع ، ويقول: “كم كمية الوقود التي تصل للمستودع، وقسمها على 120 ألف سيارة، ما حصة السيارة؟ وبعد كم يوم يحق لها التعبئة مجددًا؟ من خلال هذه الأرقام يمكن معرفة أين تذهب كميات البنزين فعليًا”.

وأكد فرج الحميري أن منظومة الكود كانت خطوة إيجابية أدت إلى القبض على العديد من المخالفين، مشيرًا إلى أن الجنوب سباق دائمًا في تطبيق القانون، ومتمنيًا أن تتوسع المنظومة في كل ليبيا.

من جانبه، قال أحمد ساسي إن من يشكو من منظومة الكود في ظل نقص الوقود في الجنوب، لا يستطيع تعبئة نقطة بنزين من دون الكود، مشيرًا إلى أن المهربين يسيطرون على السوق ويملؤون ويصرفون البنزين، ويعتبرون المحطات مصدر رزق لهم.

بدوره، تساءل أسامة جمعة عن سبب عدم تطبيق منظومة الكود في المنطقة الشرقية، معتبراً أن المنظومة لو طُبقت بشكل صحيح وبقبض المطلوبين لكانت الأزمة أقل، وبعد القبض على المخالفين وتقليص عدد المركبات، لماذا ما زالت الأزمة قائمة؟”.

وأشار محمد عبدالسلام إلى أن الأزمة مستمرة رغم تصريحات اللجنة وتوقيف التجاوزات، وأن الطوابير لا تزال قائمة، مع إغلاق المحطات معظم الوقت، مطالبًا بزيادة الحصة المخصصة للجنوب والضغط على شركة البريقة لضمان وصول الوقود بانتظام.

ورأى محمد مصباح أن منظومة الكود حققت خطوة جيدة، لكنه تسبب  في توقف العديد من سائقي التاكسي وخدمات التوصيل، مشيرًا إلى أن البرنامج غير عملي.

خالد إبراهيم يشير  إلى أن الأزمة “مفتعلة” وأن التهريب معروف أساليبه للجميع، ووصف  اللجنة بأنها مجرد جهة لخلق الأزمة، معتبرًا أنه طالما لم تُحل مشكلة الازدحام، فإن اللجنة لا فائدة منها.

فيما قال حامد الزيداني إنه لأول مرة يرى دولة تحارب مواطنيها بحجة التهريب، في حين تُصرف ملايين للدفاع والطيران والأمن، متسائلًا لماذا يتم الضغط على المواطن بالكود دون الضغط على شركة البريقة ليتم توفير الوقود فعليًا.

وطالب المواطن أحمد الشريف بضرورة فتح محطات الوقود على مدار 24 ساعة، كما هو الحال في مناطق أخرى من ليبيا، مشيرًا إلى أن العمل لساعات محدودة يؤدي إلى تفاقم معاناة الطوابير والازدحام أمام المحطات.

موضحا ، أن توفير محطات تعمل طوال اليوم سيساعد بشكل كبير في تخفيف الضغط على المواطنين وتمكينهم من الحصول على الوقود بسهولة دون الحاجة للانتظار لفترات طويلة أو التعرض لمشكلات صحية جراء الازدحام.

فيما أكد المواطن س.ط ، أنه شاهد بنفسه انطلاق 146 صهريج وقود من مصراتة متجهة إلى الجنوب، زاعما أن  الوقود متوفر  بشكل فعلي لكنه أشار إلى وجود استفهامات كبيرة حول أسباب استمرار الأزمة ، مطالبًا بأن تقدم اللجنة المختصة تقارير واضحة وحقيقية، بعيدًا عن التلميع والغموض، تشرح فيها الوضع بشكل شفاف للمواطنين

أما محمد القمودي فقد اتهم وسائل الإعلام بالسلبية والتقصير في نقل صوت المواطنين الحقيقي، معبرًا عن ملاحظته بأن الإعلام  في الجنوب يميل إلى تلميع صورة اللجنة والمسؤولين ، متجاهلًا الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الناس في المنطقة.

وأضاف المواطن علي صالح: اللجنة التي وُجدت لحل أزمة الوقود أصبحت اليوم مبررًا لتمديد الأزمة، وأداؤها الباهت وأعذارها الواهية جعلت الجنوب سجينا لمعاناة مستمرة بلا نهاية.

يتساءل ي و : عن موقع الجنوب من خطط شركة البريقة، مشيرًا إلى أن الشركة نشرت مؤخرًا بيانًا عاجلًا لمعالجة أزمة الوقود في طرابلس، وخصصت محطات تعمل على مدار 24 ساعة، رغم أن الأزمة هناك تُعتبر مؤقتة وبسيطة مقارنة بما يعانيه الجنوب.

وأضاف ي و : أن الواقع في الجنوب مختلف تمامًا، حيث يعاني السكان منذ عام 2011 من نقص حاد في الوقود وارتفاع كبير في أسعاره في السوق السوداء، دون أي حلول جذرية أو بيانات رسمية توضح أسباب غياب الإمدادات.

وأكد أن الأهالي في الجنوب مواطنون لهم كامل الحق في الحصول على الوقود بانتظام، وأن تحظى مناطقهم بنفس الاهتمام الذي تُخصصه الدولة للعاصمة.

وختم قائلاً :  أزماتنا ليست موسمية أو طارئة، بل مستمرة منذ أكثر من عقد، ومع ذلك لم نرَ نفس سرعة التحرك ولا نفس درجة الاهتمام”، مؤكدًا أن الجنوب يستحق حياة كريمة وعدالة في توزيع الموارد.

قال المواطن عمر سعد إن أزمة الوقود في الجنوب ليست طارئة، بل ممتدة منذ عام 2011، نتيجة مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها الفارق الكبير في أسعار المحروقات بين ليبيا ودول الجوار، ما جعلها هدفًا للتهريب، إضافةً إلى ضعف تمثيل الجنوب سياسيًا ووقوعه في موقع جغرافي مستهدف كسوق للمحروقات.

وأشار إلى أن الفساد في قطاع النفط وتورط بعض المتنفذين في خلق سوق موازٍ إلى جانب تخصيص كميات أقل بكثير من الاحتياج الفعلي للمنطقة، فاقم الوضع، إذ تتراوح الكمية المخصصة بين 500 ألف ومليون و200 ألف لتر، في حين أن المنطقة تحتاج إلى مليون ونصف لتر يوميًا على الأقل، وفق بيانات مستودع سبها النفطي.

كما اعتبر أن قرار النائب العام الأخير بتقليل الكميات المخصصة بناءً على إحصائيات قديمة سيزيد من تعقيد الأزمة، معربًا عن أمله في أن يكون القرار مؤقتًا.

مؤكدًا أنه لا توجد بوادر لحلول جذرية للأزمة خالية من السلبيات

ويرى المواطن حسن عبدالجليل أن معاناة الجنوب في ملف الوقود ليست جديدة، بل تمتد لأكثر من عقد كامل، حيث تعيش المنطقة ومدينة سبها على وجه الخصوص حالة من الظلم الواضح في التوزيع،  ويؤكد أن الكمية المخصصة له، والتي لا تتجاوز 850 ألف يوميًا، تعد ضئيلة للغاية مقارنة بالمساحة الجغرافية الشاسعة وعدد السكان واحتياجاتهم المتزايدة.

ويضيف عبدالجليل أن المطالبات والاجتماعات المتكررة مع المؤسسة الوطنية للنفط، وما تخللها من وعود بزيادة الحصة بما يتناسب مع الحاجة الفعلية، لم تُترجم إلى واقع، وظلت الإمدادات أقل مما تتحصل عليه مدن أصغر بكثير من حيث عدد السكان.

ويرى أن استمرار هذا التقصير من المؤسسة يفاقم الأزمة ويضاعف معاناة المواطنين، داعيًا إلى تحرك عاجل لتصحيح الخلل وضمان توزيع عادل للمحروقات بين جميع المناطق الليبية.

وأثناء جولة ميدانية أمام إحدى محطات الوقود في سبها، قال أحد المواطنين المنتظرين في طابور التعبئة إن الوضع في المدينة أصبح مزريا للغاية ، مشيرًا إلى أن المواطنين يضطرون للانتظار لساعات طويلة أمام المحطات، بينهم كبار السن ومرضى يعانون من أمراض مزمنة، ما يزيد من مشقتهم اليومية.

مواطن آخر فضل عدم ذكر اسمه أضاف أن الجنوب يعيش أوضاعا مأساوية لا وقود، ولا غاز طهي، ولا سيولة نقدية، وحتى إن توفرت السيولة فإن سقف السحب لا يتجاوز ألف دينار شهريا ،متسائلا عن السبب الحقيقي وراء نقص المحروقات، ولماذا لم يتم القضاء على عمليات التهريب ما دامت المنطقة تخضع لسيطرة النظام الأمني.

من جهته، أشار محمد الورفلي المقيم بضواحي سبها، إلى أن والدته تعاني من مرض مزمن يستدعي زيارتها للطبيب ثلاث مرات أسبوعيًا، مؤكدًا أن نقص الوقود يعطل تنقلاته ويؤثر سلبًا على متابعة علاجها، الأمر الذي ساهم في تدهور حالتها الصحية.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :