- المهدي يوسف كاجيجي
اهداني المؤرخ الليبي الكبير الأستاذ سالم الكبتي، صورة لوثيقة تاريخية، مضي عليها أكثر من ثمانية عقود، مكتوبة بخط يد والدي المغفور له بإذن الله الحاج يوسف كاجيجي الهوني، وهي عبارة عن طلب تقدم به مجموعة من المهاجرين الليبيين المقيمين فى المملكة المصرية وقتها، إلي صاحب السمو امير برقة وقتها الامير السيد محمد ادريس السنوسي المعظم، للحصول على تأشيرة دخول والسماح لهم بالمرور ذهابا وعودة عبر إمارة برقة وقتئذ، من أجل زيارة اقاربهم وعائلاتهم وتفقد املاكهم ومن اسمائهم يمكن التعرف على مناطقهم وهي في الغالب المنطقة الوسطى والجفرة. قدم الطلب بتاريخ 17 نوفمبر عام 1943, وتم تحويلة بتوقيع سمو الامير للإجراء لسيادة السيد ابراهيم السنوسي بن ادريس السنوسي بتاريخ 16 يناير 1944.
الطلب:حضرة صاحب السمو الأمير السيد محمد ادريس السنوسى المعظم بعد تقديم واجب التحية وعظيم الاحترام مقدمو هذه العريضة، محمد سيف النصر، وعلي الحاج بير، والحاج يوسف كاجيجي الهوني، ومحمود عبدالرحيم. يعرضون لسموكم الآتي: يا صاحب السمو ليس بخاف على سموكم أننا هاجرنا إلى القطر المصري من مدة 15 سنة. تركنا عائلاتنا واقاربنا وأملاكنا وحيث أن الله منّ علينا من الله بخلاص الوطن أرجوا سموكم السّماح التسريح لنا بزيارة اقاربنا وعائلاتنا وتفقد املاكنا بليبيا ببرقة ولسموكم من الله عظيم الأجر ومنا وافر الشكر.وتقبلوا سموكم فائق احترامى.١٩٤٣/١١/١٧.كما لا يخفى على سموكم أن الترخيص التسريح يكون بالذهاب والإياب وتقبلوا فائق احترامي.مقدمه: محمد سيف النصر. على الحاج بير. محمود عبد الرحيم. الحاج يوسف كاجيجي الهونى
آداب التخاطب
من فضلكم تأملوا النص جيداً، وتأملوا آداب المخاطبة ما بين الحاكم والمحكوم، وما بين الرئيس والمرؤوس، وخاصة عندما يخاطب الأمير، صاحب السمو، موظفه المسئول بعبارة: [سيادة السيد]. وتذكروا جيدا أن الجهاد من أجل الاستقلال الذي خاضه الآباء المؤسسون، لم يكن الأمر سهلا، وقد اعتمد فيه على الحكمة والحب والولاء للوطن الواحد. كما اعتمد أيضا على التنازلات ما بين الأشقاء من أجل الوصول إلى وطن واحد موحد.
تأشيرة دخول للوطن!
أيها السادة، لقد مضى على هذه الرسالة حوالي ثمانية عقود، رحل فيها معظم من عاصروا وقائعها، وأنا أجزم أن جيل الأبناء والأحفاد لن يصدق أن الليبيين كانوا في كثير من الحقب بحاجة للحصول على تأشيرة دخول للتنقل بين الأقاليم في أوطانهم . ولقد روى لي السيد سيف النصر عبد الجليل رئيس المجلس التنفيذي لولاية فزان ووزير الدفاع الأسبق رحمه الله، انه عندما استدعاه عمه السيد أحمد سيف النصر لزيارته في سبها، اضطر للسفر من طرابلس إلي تونس، ومنها جوا إلى سبها. الغريب أنه عندما تصارعت الدول الاستعمارية على تقسيم ليبيا، وقف الليبيون سدا منيعاً ضد التقسيم، وظل الوطن الموحد محفورا في القلوب. ومن أجل ذلك قدم الاباء المؤسسون تنازلات كبيرة لبعضهم البعض للحفاظ على الوحدة وتحقيق الاستقلال.
ما الذي يحدث الأن ؟
صراع شرس، يسعى لتفتيت ليبيا وليس تقسيمها، مع الفارق أن من يتحاربون من أجل تحقيق ذلك هم الليبيون أنفسهم. أيها السادة تذكروا جيداً أنه لو استمر هذا الحال من التسيب والانحدار، سيكون المستقبل أكثر سوء مما تتصورون، وليس غريبا أن الليبي قد يحتاج قريبا إلى تأشيرة دخول لزيارة أهله والدخول إلى وطنه.