بقلم :: إبراهيم عثمونة
رغم أنك لا تستحق الحب لكنني أحبك.
كثيراً ما سألت نفسي لماذا كل هذا الحب يا ابراهيم . كنتُ اشعر أنني أعطيك اكثر مما تستحق ، أحبك فوق طاقتي ، أعشقك إلى حد الدروشة وأنت الدرويش . أكذب عنك على صفحتي في الفيس بوك كل صباح ، ويصدقونني أصدقائي كل صباح ، ويتصورونك سلطاناً ببذلة عربية وزبون وطاقية منها شنتولة طويلة . أرسم لهم كذباً أنك كل شيء في ليبيا وأنت لا تساوي شيئاً في ليبيا . وأكتب واكذب في صباح اليوم التالي بأنك اقوى حتى من مصراته ، وكان أصدقائي في القائمة يصدقونني . وفي صباح اليوم الذي يليه أكتب واكذب اكثر وأقول غداً سيأتيكم هذا المارد الأسمر كالسلطان وأنت في الواقع شيء ثان لا سلطان لك حتى على نفسك.
اشتريتُ قطعة أرض بطرابلس ، وبنتُ بيت هناك ، وحملتُ ملفات أطفالي وسجلتهم هناك ، لكن مدير المدرسة اخبرني انه لم يجد الملفات التي وضعها على الرف ، واتصلت بي مديرة مدرسة “سمنو الإبتدائية” وأخبرتني أنها وجدت ملفات أطفالي على طاولة مكتبها . في الشويرف قيل أن هناك مَن شاهد الملفات تعود إلى الجنوب . لم أصدق مثل هذا الكلام لكن سائق تاكسي كان ينقل ركاباً إلى سبها اخبرني أن الملفات رافقته ، وكان يشاهدها على مسافة منه . تباً للملفات التي ورثت الحب هي الأخرى.
الآباء يورثون أطفالهم المال والعقار وحتى الشجاعة ، وأنا لم أورثهم سوى حب الجنوب القفر من المال ومن العقار وحتى من الشجاعة.
لم أصدقهم ، فالملفات لا يمكن أن تطير لوحدها في الجو ، وحتى لو طارت لا يمكن تعرف العنوان ، وحتى لو عرفت لن أسمح لها بالعودة.
ذهبتُ إلى المديرة وأخذتُ منها الملفات وأحرقتها في فناء المدرسة . هرعت لي المديرة والأبلات وحاولن منعي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ملفات أطفالي ، لكنني منعتهن وسكبتُ ما تبقى معي من بنزين على النار حتى ما يعود من أمل لعودة أطفالي إلى هنا . كنتُ أشعر وأنا أحرق الملفات كما لو انني أحرق الحب الذي ورثوه اطفالي مني . تبخر الحب وتطايرت أوراقه هباء منثورا.
ما كنتُ اعرف أن الحب مثل كل شيء يمكن حرقه وإتلافه.
كان عمود الدخان يصعد عالياً في الجو الساكن من الهواء ، وكان في داخلي شعور أنني أقوم بعمل عظيم وأنا أقلب الملفات في غمرة النار.
الله ، ما أعظم أن تُقلب الملفات في غمرة النار.
وما أعظم أن تحرق حبك للدرويش.
تباً للدرويش.