باشر المركز الوطني لمكافحة الأمراض ترتيباته الميدانية لإطلاق حملة تطعيم جزئية ضد الحصبة والحصبة الألمانية، تستهدف 15 بلدية في جنوب ليبيا، وتُجرى خلال الفترة من 19 إلى 24 يوليو الجاري.
وشملت التحضيرات توزيع اللقاحات على المراكز الصحية، وتنفيذ تدريبات للعناصر الطبية، إلى جانب حملات توعية مجتمعية لحث أولياء الأمور على الاستجابة، خصوصًا في المناطق التي سجلت انخفاضًا في نسب التحصين خلال السنوات الماضية.
ووفق بيانات المركز، تستهدف الحملة الأطفال من عمر 9 أشهر حتى 15 سنة، في كل من غات، القطرون، أم الأرانب، مرزق، وادي عتبة، وادي الشاطئ، براك الشاطئ، سبها، الشرقية، الغربية، الزاوية، سبها المدينة، حي الثانوية، القرضة، وسمنو.
وتأتي هذه الحملة في إطار جهود الحد من انتشار الحصبة والحصبة الألمانية، بعد ظهور حالات في بعض المناطق، وتراجع نسب التلقيح بسبب الأوضاع الأمنية ونقص الكوادر الصحية.

* حملة وطنية بطابع استثنائي
تندرج هذه الحملة ضمن خطة وطنية استثنائية يشرف عليها المركز الوطني لمكافحة الأمراض، بالتنسيق مع إدارات الخدمات الصحية والكوادر الطبية والتمريضية، بهدف احتواء بؤر العدوى ورفع معدلات التغطية بالتطعيمات في المناطق الأكثر عرضة.
وفي تصريح لـ”فسانيا”، أوضح الدكتور عبد الرحمن سعود، رئيس قسم الطعوم بإدارة التطعيمات، أن الحملة تستند إلى تقارير وطنية تفيد بوجود حالات نشطة لمرض الحصبة في بعض مناطق الجنوب، مما استدعى إطلاق هذه الحملة التعزيزية.
“الفئة العمرية التي نستهدفها تمتد من تسعة أشهر إلى خمس عشرة سنة، ونعمل على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال لضمان تطويق المرض قبل تحوله إلى وباء”، أكد سعود، مشيرًا إلى أن النجاح يعتمد على التعاون المجتمعي، وتيسير وصول العائلات إلى مراكز التطعيم.

* الإعلام كشريك رئيسي في الاستجابة
وفي سياق متصل، شدد الأستاذ أحمد الشريف، مدير إدارة البرامج المحلية، على الدور الحيوي للإعلام المحلي في دعم الحملات الصحية، قائلاً إن فعالية أي حملة لا تكتمل دون مشاركة إعلامية نشطة ومهنية.
“نحن بحاجة إلى إعلام مسؤول ينقل المعلومة الصحية بوضوح وشفافية، ويساهم في بناء وعي مجتمعي يساعد في الوقاية والاستجابة”، قال الشريف، مضيفًا أن الإعلام يشكل جسرًا بين المؤسسات الصحية والمواطنين، خصوصًا في مناطق تعاني من ضعف التثقيف الصحي.
من جانبه، أشار الأستاذ عماد نجومة، مدير مكتب الإعلام بالمركز الوطني، إلى أن توقيت الحملة دقيق بسبب وجود أعداد من المهاجرين والنازحين الذين يصعب تتبع حالتهم الصحية، وهو ما يشكّل عنصر خطر في إمكانية انتقال المرض وانتشاره.
“نوجّه نداء إلى كل الأسر في الجنوب، للتوجه بأبنائهم إلى أقرب مركز صحي خلال أيام الحملة. هذا الجهد لا يكتمل دون تعاون الأهالي، فالتطعيم هو الوسيلة الأنجع لحماية أبنائنا”، قال نجومة، مؤكدًا على أهمية الشراكة المجتمعية في التصدي للأمراض المعدية.

*ورشة إعلامية تحضيرية في سبها
وبموازاة الاستعدادات الميدانية، أطلقت إدارة التطعيمات ورشة إعلامية تحضيرية في مدينة سبها استمرت لثلاثة أيام، بهدف تعزيز التغطية الإعلامية والتنسيق مع الفاعلين المحليين.
استهدفت الورشة في يومها الأول الصحفيين والإعلاميين من عدة مناطق جنوبية، بينما خُصص اليوم الثاني لممثلي مؤسسات المجتمع المدني، واليوم الثالث لأعيان وحكماء المدينة، في خطوة تهدف إلى ضمان انخراط كل الأطراف في الحملة التوعوية.
وأشار الصحفي حسام دقّة، أحد المشاركين في الورشة، إلى أن هذه الحملة تختلف عن الحملات الروتينية، مؤكدًا أنها جاءت استجابة لحالة طوارئ وبائية فعلية بعد تسجيل حالات إصابة مؤكدة.
“الورشة تمثل خطوة مهمة لإشراك الإعلام والمجتمع المحلي في رفع الوعي حول خطورة المرض، وقد شهدت مشاركة واسعة من إعلاميي الجنوب، رغم تعذر حضور بعض المدعوين من مناطق القطرون وجالو والكفرة”، أوضح دقّة، معربًا عن أمله في أن يستمر هذا النوع من التنسيق في كل الحملات القادمة.

*المجتمع المدني في الواجهة
بالتوازي مع جهود الإعلام، نظم المركز الوطني لمكافحة الأمراض بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة – اليونيسف، ورشة عمل خاصة بمؤسسات المجتمع المدني الناشطة في مدينة سبها، وذلك ضمن الاستعدادات لانطلاق الحملة.
وتهدف هذه الورشة إلى رفع مستوى الوعي لدى أولياء الأمور بأهمية التطعيم، وتحفيزهم على اصطحاب أطفالهم إلى مراكز التطعيم خلال فترة الحملة، التي تستهدف الفئات العمرية الأكثر عرضة للإصابة.
ويأتي تنظيم هذه الورشة في إطار تعزيز الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، لما لها من دور محوري في نشر المعلومات الصحية وتوعية الأهالي وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة.
* دعم طبي ولوجستي
وفي موازاة ذلك، أعلنت إدارة الصيدلة والمعدات والمستلزمات الطبية بالمركز الوطني، بالتنسيق مع إدارة التطعيمات، عن تنفيذ خطة توزيع للتطعيمات الروتينية على مختلف مدن ومناطق الساحل الغربي كمرحلة أولى.
وتهدف هذه الخطوة إلى الحفاظ على استمرارية الجداول الروتينية للتطعيمات في جميع أنحاء البلاد، وضمان حصول كل الأطفال على اللقاحات الأساسية في الوقت المناسب، ضمن إطار الخطة الوطنية الشاملة لتعزيز الحماية الصحية.

*نداء مفتوح للتعاون
في ظل هذه التحركات، تأمل الجهات المنظمة أن تحقق الحملة معدلات استجابة مرتفعة، لا سيما في ظل توفر الدعم الفني واللوجستي، والمشاركة المجتمعية الفاعلة، سواء من الإعلام أو المجتمع المدني، بما يُعزّز من فرص نجاحها في احتواء المرض.
ومع اقتراب موعد انطلاق الحملة، تبقى رسالة المركز الوطني واضحة: التطعيم مسؤولية جماعية، والتعاون هو السلاح الأقوى في مواجهة أي خطر صحي يهدد الأطفال والمجتمع بأسره.














