- ميمون يوسف الشيخ
تعاني الساحة الليبية اليوم من عديد القضايا الحقوقية والإنسانية العالقة التي يعتبر أغلبها قديم النشْء بسبب السياسات المتضاربة التي كانت الحكومة الليبية تنتهجها أيام النظام السابق حيث تم إصدار قوانين غريبة تعارض العقل والمنطق انتهج فيها نظام معمر القذافي نهجا ذكر أنه اشتراكي تضطلع فيه الدولة بتحقيق نظام شامل للعدالة الاجتماعية. وتحقيقا لذلك، تولّى سنّ حزمة من القوانين والإجراءات واتخذ التصور الاشتراكي للنظام بُعدا أكثر تفردا في تصوراته مع إعلان الجماهيرية والنظرية العالمية الثالثة التي كان الكتاب الأخضر وثيقتها الأساسية وعلى سبيل المثال لا الحصر عن هذه القوانين قانون رقم 4 لسنة 1978 الذي صدر تطبيقا لمقولة البيت لساكنه التي تضمنها الكتاب الأخضر مصدرا للإشكال المزمن الذي ورثته ليبيا فيما يتعلق بالملكية العقارية حيث استهلّ القانون رقم 4 أحكامه بالتأكيد على حق كل مواطن في ملكية مسكن، ووصف هذا الحق بالمقدس، وانتهى لتقييد هذا الحق بمسكن واحد أو قطعة أرض واحدة صالحة للبناء عليها. ما زاد على هذا القدر، قرر القانون أيلولته للدولة، على أن تتولى إعادة توزيع الملكيات “الزائدة” على المحتاجين، وهم كانوا في غالب الحالات مستأجريها. كان القانون رقم 4 في تقرير هذه الأحكام يترجم مقولة الكتاب الأخضر أن البيت لساكنه. على أهميته، لم يكن الجانب العقائدي هو الدافع الوحيد لسن القانون رقم 4؛ إضعاف المعارضين وكسب الموالين كان دافعا مهما أيضا . تنفيذ القانون رقم 4 أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من أملاكهم. وفي طرابلس وحدها، يقدر البعض عدد الأملاك الخاضعة له بما يعادل ثلاثة أرباع المدينة، وهي بالمناسبة مقام ثلث سكان ليبيا، وبعد سقوط نظام القذافي طالب الكثير ممن فقدوا أملاكهم بحقهم أمام المحاكم بسبب هذه القوانين الظالمة وفي نفس الخط أيضا تسير قضية أصحاب السجل المؤقت من 《 الطوارق 》 الذين كانوا ولا يزالون ضحية لقوانين وممارسات النظام السابق حيث أنهم يعانون لعقود طويلة من مشكلة المواطنة وعدم الاعتراف لهم بالشخصية القانونية، وحرمانهم من 《الجنسية الليبية 》رغم أنهم مستوفين شروط التحصل على 《 الجنسية الليبية 》 من الناحية القانونية واعتبر ملفهم من أنظف ملفات العائدين من المهجر لأن الطوارق تم استثناؤهم من شروط وثيقة العودة وما في حكمها والاكتفاء بقرار البلدية المختصة آنذاك نظرا لعدم قيد الطوارق في سجلات الدول الأخرى، وقد صدر عن بلدية أوباري القرار رقم (312) لسنة 1988م بتشكيل لجنة انتماء الطوارق للأصل الليبي وحصرهم وتسجيلهم في السجل المدني، وقد تم التسجيل بالفعل ومنح غالبيتهم البطاقة الشخصية دون كتيب عائلة إلى الآن، !! وهنا يجب علينا أن نتساءل كيف يتم منحهم بطاقات شخصية دون أن يتحصلوا على الجنسية الليبية؟ أليست البطاقة الشخصية تمنح لمن لديه الجنسية الليبية ومستوفيا جميع الإجراءات القانونية من ناحية المستندات؟ وكيف يمكنهم تجديد بطاقاتهم الشخصية في حال انتهت صلاحيتها التي لا تتجاوز 10 سنوات فقط؟ !! يعاني الطوارق من تبعات هذه القرارات إلى الآن وتم تضييق الخناق عليهم بعد انتهاء صلاحية بطاقاتهم الشخصية حيث أصدرت مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب في يوم 21 أغسطس 2019م اللائحة التنظيمية لاستخراج البطاقات الشخصية والتي أقصت حاملي الأرقام الإدارية من أصحاب السجل المؤقت من تجديد أو استخراج بطاقة شخصية جديدة حيث ذكرت المصلحة في لائحتها التنظيمية أنه من شروط استخراج البطاقة الشخصية أن يكون لصاحب المصلحة رقم وطني وهذا هو التضارب والتناقض الذي أتحدث عنه حيث أنه سبق لحاملي الأرقام الإدارية استخراج بطاقات شخصية دون منحهم كتيب عائلة في كل من سنة ( 1984 – 1991 – 2005 – 2009 ) . أيضا من هذه القرارات الغريبة التي انتهجها النظام السابق تجاه أصحاب السجل المؤقت وهي إعطاء الجنسية لعدد من الطوارق الذين انضموا للكتائب العسكرية آنذاك دون أفراد أسرهم وهذا ما تسبب أيضا بخلل كبير جدا لهذه الأسر فإنك تجد الأب وأبناءه لديهم جنسية بينما لا تمتلكها الأم !! وفي سنة 2013 ونتيجة للاحتجاجات المطالبة بالإفراج عن مرتبات هذه الأسرالمتوقفة أثناء حكومة علي زيدان بسبب إجراءات الرقم الوطني التي أقصت هذه الأسر ، أصدرت الحكومة القرار رقم (781) لسنة 2013م بشأن تشكيل لجنة لوضع آلية لحل بعض معوقات الرقم الوطني وبموجبه منحت أرقام قيد مؤقتة للعائلات المقيدة بالسجلات المدنية المؤقتة إلا أن تلك المعوقات لم تحل وبقيت مستمرة، وفي سنة 2015م ولذات الأسباب المتعلقة بتوقف مرتبات عدد كبير من موظفي الدولة الليبية من أبناء هذه الأسر أصدرت حكومة الإنقاذ الوطني بطرابلس القرار رقم (102) لسنة 2015م بشأن منح الإذن لمشروع الرقم الوطني و المشاريع المكملة له باتخاذ الإجراءات لذوي السجلات المؤقتة والذي جاء في الفقرة رقم (3) من المادة رقم (1) منه مانصه : صرف أرقام إدارية لأصحاب السجلات المؤقتة ، كبديل مؤقت للأرقام الوطنية ، لاستخدامها في استكمال إجراءاتهم المالية وهو إجراء لم يحل المشكلة لكن أصبح هناك أمل في الإفراج عن المرتبات بعد توقفها من جديد لأكثر من سنة وظلت المعوقات الأخرى قائمة بالسفر والعلاج والدراسة بالخارج والضمان الاجتماعي ونحوها وبهذه الطريقة استمرت معاناة هذه الفئة حتى بعد ثورة 17 فبراير التي بنوا عليها آمالهم بأن تضع حلولا جذرية لمعاناتهم ولكنها لم تأتِ بأي جديد ابتداءً من المجلس الوطني الانتقالي و انتهاء بالمجلس الرئاسي ومجلس النواب