- المستشارة القانونية :: زينب عبد الغني
يمكن تعريف المرفق العام من خلال ثلاث اتجاهات :
الأول – يأخذ بالمفهوم العضوي أو الشكلي للمرفق العام ، والذي يركز على الهيئة التي تمارس النشاط . والثاني – يتبنى المفهوم المادي أو الوظيفي للمرفق العام ، والذي يعتمد على موضوع النشاط أو الخدمة التي يؤديها المرفق العام . والثالث – يجمع بين المفهومين العضوي والمادي للمرفق العام . ويقصد بالمفهوم الشكلي أو العضوي للمرفق العام : الجهاز الإداري أو الهيئة أو المنظمة التي تقوم بتقديم خدمات عامة , أو إشباع حاجات عامة للجمهور . ومن أمثلة ذلك : الجامعات والمستشفيات العامة ووزارة الداخلية ووزارة الصحة . ويعرف الفقيه هوريو المرفق العام بأنه : منظمة عامة تتمتع بالسلطات والاختصاصات التي تكفل لها القيام بخدمات تقدمها للجمهور بشكل منتظم ، أو هو نشاط إداري يتولاه شخص معنوي عام لإشباع حاجة جماعية . وينظر أنصار المفهوم المادي أو الموضوعي عند تعريف المرفق العام إلى طبيعة الخدمة أو النشاط الذي يمارسه المرفق ، والهدف النهائي من هذا النشاط وما يحققه من نفع عام للجمهور ، دون الالتفات إلى طبيعة الهيئة أو المنظمة التي تؤدي هذا النشاط ، وفيما إذا كانت من أشخاص القانون العام أم من أشخاص القانون الخاص ، على أن يخضع النشاط المرفقي لإشراف السلطة العامة وهيمنتها . وبناءً على ما سبق عرف العلامة ديجي المرفق العام بأنه كل نشاط ينظمه ويتولاه ويشرف عليه الحكام ( السلطة العامة ) بقصد تحقيق التضامن الاجتماعي ، الذي لا يمكن أن يتحقق على الوجه الكامل إلا بتدخل السلطة الحاكمة .
أو أن المرفق العام هو مشروع ذو نفع عام يهيمن عليه الحكام ، أي تتولى السلطة العامة إدارته مباشرة أو بطريق غير مباشر . وذهب الاتجاه الغالب إلى تبني معيار مزدوج عند تعريف المرفق العام , وذلك بالجمع بين المدلولين العضوي والمادي للمرفق العام ، بحيث يشمل الخدمة أو النشاط موضوع المرفق والهيئة أو المنظمة التي تتولى هذا النشاط . ومن ثم عرفوا المرفق العام بأنه : مشروع تنشئه الدولة ، بقصد تحقيق النفع العام , أو أداء خدمة عامة للجمهور ، ويخضع في إدارته لهيمنة السلطة العامة أو الحاكمة . يتضح لنا أن المرفق العام يتكون من أربعة عناصر : ثلاثة منها متفق عليها بين الفقهاء ، وهي أن المرفق العام : مشروع , يهدف إلى تحقيق النفع العام , ويخضع لهيمنة السلطة العامة . – أما العنصر الرابع , وهو خضوع المرفق العام لنظام قانوني خاص أو استثنائي ، فقد اختلف الفقهاء حوله بين مؤيد ومعارض . أولاً- المرفق العام مشروع : إن المرفق العام عبارة عن منظمة أو مشروع يتألف من عناصر بشرية تستخدم وسائل مادية وفنية وأساليب قانونية ، بهدف تحقيق الغرض الذي أنشئ من أجله . ثانياً- المرفق العام يستهدف النفع العام : لا يعد المشروع مرفقاً عاماً إلا إذا كان يستهدف تحقيق النفع العام ، وذلك من خلال تقديم خدمات عامة أو إشباع حاجات عامة للجمهور ، وتظهر هذه الخدمات والحاجات العامة في صورتين : الأولى مادية , مثل تقديم النور وتوفير وسائل المواصلات عن طريق مرفقي الكهرباء والمواصلات . والثانية معنوية , مثل مرفق الضبط الإداري الذي يهدف إلى المحافظة على النظام العام . وتجدر الإشارة إلى أن استهداف النفع العام يعد شرطاً جوهرياً وضرورياً لوجود المرفق العام ، فإذا لم يتوافر هذا الشرط فقد المرفق صفة العمومية وكان من المشروعات الخاصة ، وذلك لأن العلاقة بين المرفق العام والنفع العام علاقة جدلية , بحيث يرتبط المرفق العام بالنفع العام وجوداً وعدماً . ويرى بعض الفقهاء أن شرط النفع العام الذي يجعل المشروع مرفقاً عاماً لا يتحقق إلا إذا كان من نوع النفع العام الذي يعجز الأفراد والهيئات الخاصة عن تحقيقه ، أو لا يرغبون في تحقيقه ، أو لا يستطيعون تحقيه على الوجه الأكمل . كما أن تحقيق بعض المشروعات العامة لربح معين لا يتناقض مع وجود عنصر النفع العام , ولا يتعارض مع صفتها كمرافق عامة . أما إذا كان الهدف الرئيسي للمشروع العام تحقيق الربح فلا يمكن عدّه من المرافق العامة , حتى ولو كانت الدولة هي التي أنشأته . ولا يترتب على شرط استهداف النفع العام أن يؤدي المرفق العام خدماته مجاناً دون مقابل ، فتقرير رسوم معينة ( كالرسوم الجامعية والرسوم القضائية ) مقابل الانتفاع بخدمات المرفق العام لا يتعارض مع هدف المرفق العام . ولا يشترط أن يشمل النفع العام الذي يحققه المرفق العام كل أفراد الدولة ، بمعنى أن يستفيد من خدمات المرفق العام جميع سكان الدولة , وإنما يكفي أن يهدف المرفق إلى تحقيق مصلحة سكان إقليم معين , كالمرافق العامة المحلية ، أو مجموعة معينة من الأفراد غير محددين بذواتهم . ثالثاً- خضوع المرافق العامة لهيمنة السلطة العامة : لا يكفي أن يستهدف المشروع النفع العام لإطلاق صفة المرفق العام عليه ، بل لا بد من خضوعه لهيمنة السلطة العامة أو الحاكمة ( الأشخاص المعنوية العامة ) . ويعد هذا العنصر من أهم العناصر المميزة للمرفق العام . ويقصد بخضوع المشروع لهيمنة السلطة العامة أن تكون الكلمة النهائية والأخيرة في إنشاء وتنظيم وسير وإلغاء المرفق العام للسلطة العامة . ويكون للسلطة العامة الكلمة العليا في إنشاء المرفق العام : A- إذا كانت الدولة هي التي أحدثت المرفق العام وتولت إدارته بنفسها . B- أو قررت اعتبار مشروع ما مرفقاً عاماً , حتى ولو عهدت بإدارته إلى شركة أو هيئة خاصة لا تعتبر في ذاتها من المرافق العامة . كما يكون للسلطة العامة القول الفصل في إلغاء المرفق العام إذا قدرت عدم الحاجة إليه . رابعاً- خضوع المرفق العام لنظام قانوني خاص خارق للشريعة العامة : إن عنصر ضرورة خضوع المرفق العام لنظام قانوني استثنائي كان موضع خلاف لدى الفقهاء ، الأمر الذي أدى إلى ظهور اتجاهين في الفقه : أحدهما موسع لنطاق المرافق العامة عن طريق الاكتفاء بالعناصر الثلاثة السابقة . والآخر مضيق لدائرة المرافق العامة بإضافة عنصر رابع , وهو وجوب أن يخضع المرفق العام في نشاطه
وهو وجوب أن يخضع المرفق العام في نشاطه لقواعد قانونية خاصة تختلف عن قواعد القانون العادي . فيذهب بعض فقهاء القانون العام إلى أنه لكي يعد المشروع مرفقاً عاماً يجب أن يخضع إلى نظام قانوني خاص يتبلور في تطبيق أحكام وقواعد القانون الإداري واتباع وسائل القانون العام والتمتع بامتيازات السلطة العامة بصفتها قواعد وأساليب غير مألوفة في القانون العادي . ويرى الاتجاه الراجح في الفقه الإداري أن خضوع المشروع لنظام قانوني خاص لا يعد ركناً أو عنصراً لازماً لإضفاء صفة المرفق العام عليه , وإنما هو نتيجة لثبوت صفة المرفق العام للمشروع وليس شرطاً أو سبباً لقيامها .