حاورته : منى توكا
دعوة لإنشاء برامج وخطط وطنية للدعم النفسي.
الدكتور / محمد البوسيفي
أخصائي العلاج النفسي، الدكتور محمد البوسيفي لـ “فسانيا“
توفير الدعم النفسي للناجين من الإعصار ضرورة لاستعادة الثقة بأنفسهم والمستقبل
تُعد الكوارث البيئية، مثل الأعاصير والفيضانات، التي اجتاحت درنة ومدن الجبل الأخضر، من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في العصر الحديث، تسبب هذه الكوارث في خسائر بشرية ومادية هائلة، مما يؤثر بشكل كبير على حياة الأفراد والمجتمعات.
ولكن ليس فقط الآثار الجسدية والمادية التي يجب التعامل معها بعد الكوارث البيئية، بل أيضًا الآثار النفسية التي يعاني منها الناجون.
من المعروف أن الأحداث الصادمة والكوارث قد تترك آثارًا عميقة على الصحة النفسية للأفراد المتأثرين، لذا، يصبح تأهيل الناجين من الناحية النفسية ضرورة حيوية لمساعدتهم على التعامل مع تجاربهم والتعافي منها.
في هذا السياق، التقت صحيفة “فسانيا” مع أخصائي العلاج النفسي، الدكتور محمد البوسيفي، الذي أشار إلى أن الفيضانات قد تترك آثارًا نفسية قوية على الأفراد الناجين، يمكن أن يعاني الناجون من مشاعر الصدمة والذعر والخوف، إضافة إلى اضطرابات نفسية أخرى مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق، قد يعاني الأشخاص من ضعف التركيز والنوم غير المريح والهلع والانفعالات المتقلبة.
يشير د. البوسيفي إلى أن التعرض للكوارث الطبيعية يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات بشكل عام، قد يزيد الإجهاد النفسي والعاطفي بسبب فقدان الممتلكات والموارد المادية، وانقطاع الاتصال بالأحباء، وتغيرات الحياة المفاجئة، كما يمكن أن تؤدي الكوارث إلى زيادة معدلات الاكتئاب والقلق والانتحار في المجتمعات المتأثرة.
بحسب د. البوسيفي ، فإن تأهيل الناجين من الناحية النفسية يلعب دورًا حاسمًا في عملية التعافي، يساعد التأهيل النفسي الناجين على التعامل مع التجارب الصعبة التي مروا بها، ويساعدهم على استعادة الثقة بأنفسهم وبالمستقبل، كما يساهم في تعزيز قدرتهم على التكيف مع التحديات النفسية وإعادة بناء حياتهم.
يوضح الدكتور أن هناك خطوات أولية يجب اتخاذها لتأهيل الناجين على المستوى النفسي، من بين هذه الخطوات تقديم دعم عاطفي وتوفير بيئة آمنة للناجين و تقييم الاحتياجات النفسية لهم وتوفير الرعاية النفسية الملائمة بالإضافة إلى تعزيز المشاركة الاجتماعية والتواصل الاجتماعي للناجين و توفير الإرشاد والتوجيه النفسي للتعامل مع التجارب الصعبة والتحديات النفسية و تنظيم جلسات تعاونية ودعم مجتمعي للناجين، مثل مجموعات الدعم النفسي.
وعن أهمية تعزيز المرونة النفسية للناجين يوضح الدكتور أن ذلك يساعدهم في التكيف مع ماضيهم وإعادة بناء حياتهم بعد الكارثة من خلال تعزيز المهارات النفسية والاجتماعية للناجين، مثل التحكم في الضغوط والتعبير عن المشاعر بشكل صحي و تشجيع التفكير الإيجابي وتعزيز الأمل والتفاؤل لدى الناجين بالإضافة إلى تقديم الدعم المستمر والمتابعة للناجين بعد فترة الكارثة، لضمان استمرارية التحسن النفسي والتعافي.
و يقترح تقديم الدعم العاطفي والتعاطف مع الناجين حيث يجب أن يشعروا بأنهم ليسوا وحدهم وأن هناك أشخاصًا يهتمون بهم، من المهم أيضًا تقديم المعلومات والتوجيه بشأن عملية التعافي والمساعدة في بناء استراتيجيات للتعامل مع الصدمة.
و يشدد الدكتور على أهمية تعزيز المرونة النفسية للناجين، يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير مهارات التحمل والتكيف، وتحفيز الناجين على التفكير بإيجابية والتركيز على النمو الشخصي والقدرات الموجودة لديهم. يمكن أيضًا تعزيز المرونة النفسية من خلال تعزيز الدعم الاجتماعي والعلاقات القوية مع العائلة والأصدقاء.
و يرى د. البوسيفي أن العائلة والأصدقاء والمجتمع يمكن أن يدعموا الناجين عن طريق تقديم الدعم العاطفي والشجاعة والاستماع الفعال لقصصهم، يجب أن يكونوا متفهمين ومتعاونين، أن يعرفوا كيفية التعامل مع التغيرات النفسية والانفعالية التي يمكن أن يعاني منها الناجون.
وعن التحديات الشائعة التي يمكن مواجهتها في تقديم الدعم النفسي للناجين يشير إلى أن هذه التحديات تشمل الوصول إلى الخدمات النفسية المناسبة، والتغلب على الصعوبات المالية، والتقديم المستدام للدعم على المدى الطويل. كما يمكن أن تواجه الناجين تحديات في التعبير عن مشاعرهم وفهم تجاربهم.
وعن دور الحكومات والمنظمات غير الحكومية في توفير الدعم النفسي، أوضح الدكتور البوسيفي أن ذلك يتطلب تعاونًا وتنسيقًا فعّالًا بين جميع الأطراف المعنية، يمكن للحكومات أن تسهم في إنشاء برامج وخطط وطنية للدعم النفسي والتأهيل النفسي، وتخصيص الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات أن تعزز الوعي العام بقضايا الصحة النفسية وتقليل الألم النفسي المرتبط بالتجارب الصعبة.
من ناحية أخرى، تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا حاسمًا في توفير الدعم النفسي المتخصص والخدمات التأهيلية للناجين، تقدم هذه المنظمات الاستشارة والتوجيه النفسي، وتوفر الدعم العاطفي والاجتماعي، وتنظم جلسات العلاج الجماعي أو الفردي، كما يمكن للمنظمات غير الحكومية تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية لتعليم مهارات التأقلم والتعافي النفسي.
وعندما يبدأ الناجون عملية التأهيل النفسي والتعافي، يجب أن يأخذوا في الاعتبار العديد من الأمور الهامة. بحسب الدكتور البوسيفي إذ ينبغي على الناجين أن يكون لديهم توقعات واقعية حيال عملية التعافي، لأنها قد تحتاج إلى وقت طويل وجهود مستمرة، يجب على الناجين أن يكونوا على علم بأن التأهيل النفسي يتطلب مساحة زمنية وجهودًا مستمرة، وأنه قد يكون هناك تقدم وتراجع في العملية.
ينصح الدكتور البوسيفي الناجين بالبحث عن الدعم المناسب والمتخصص، سواء كان ذلك من خلال مراكز العلاج النفسي أو المنظمات غير الحكومية المعنية بالدعم النفسي، يجب على الناجين أيضًا أن يكونوا مستعدين للتعامل مع ردود الفعل والعواطف المختلفة التي قد تنشأ خلال عملية التأهيل النفسي.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الناجون على استعداد للعمل على بناء شبكة اجتماعية قوية وداعمة، حيث يمكنهم مشاركة تجاربهم ومخاوفهم مع الأشخاص المقربين. وفي نفس الوقت، يجب أن يتعلم الناجون كيفية ضبط الحدود الشخصية والتعامل مع ضغوط البيئة المحيطة.
في الختام، يعزز الدكتور البوسيفي أهمية توفير الدعم النفسي والتأهيل النفسي للناجين، ويشير إلى أن هناك حاجة ملحة لزيادة الوعي في هذا المجال من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية، إن تعزيز الصحة النفسية وتوفير الدعم النفسي للناجين هو جزء أساسي من عملية التعافي وإعادة بناء المجتمعات المتضررة.