جازية ساطور وهند النعيرة” تمزجان بين الصوفية، التقاليد الإفريقية، والهوية النسوية على ركح الحمامات

جازية ساطور وهند النعيرة” تمزجان بين الصوفية، التقاليد الإفريقية، والهوية النسوية على ركح الحمامات

فسانيا : خاص تونس الحمامات : نيفين الهوني

في واحدة من أقوى حفلات مهرجان الحمامات الدولي، قدّمت كلّ من الفنانتين هند النعيرة و جازية ساطور عرضًا فنّيًا استثنائيًا الأيام القليلة الماضية جمع بين الموسيقى البديلة والصوفية وفنون الذاكرة الإفريقية في توليفة روحية فريدة.

وجاء العرض  كتجربة حسّية و روحية تتجاوز الأداء الكلاسيكي لتلامس بعدًا طقوسيًا، حيث نجحت الفنانتان في إعادة تشكيل الذاكرة الموسيقية الجماعية، وطرح أسئلة عن الهُوية، الانتماء، وموقع المرأة في الفضاءات الروحية التي لطالما كانت حكرًا على الرجال.

وهند النعيرة: عازفة ومغنية موسيقى قناوة (Gnawa) من الصويرة بالمغرب، و ينحدر أصول فن القناوة من التقاليد الإفريقية جنوب الصحراء.وتشتهر بتوظيف الآلات التقليدية كالقمبري والإيقاعات الطقوسية المرتبطة بجلسات العلاج والوجد. وتشتغل على إدماج النساء في هذه الفضاءات الروحية من خلال مقاربة فنية معاصرة وتوثيقية، مزجت فيها بين الجسد والصوت والذاكرة و تُعد من أهم الأصوات النسائية في هذا النوع الموسيقي، وكانت من بين أوائل النساء اللواتي تعلّمن عزف آلة “القمبري” التي كانت تقليدا مرتبطا بالرجال و هي مختصة أيضا في الموسيقى الصوفية. وقد ظهرت بقوة في مهرجان كناوة بمدينة الصويرة بمرافقة فرقتها عازفة على “القمبري”، “الطبل” و”الصاجات”، وحظيت بإعجاب الجمهور على المنصة الرئيسية فهي تُضفي لمسة نسائية قوية على هذا التراث، وتُشرك الجمهور في أداء المقاطع والإيقاع  .

أما جازية ساطور: فهي فنانة جزائرية-فرنسية تنتمي إلى مشهد الموسيقى البديلة بباريس.حيث وُلدت في الجزائر العاصمة عام 1980، ونشأت في بيئة موسيقية متعددة – بينها الشعبي والبوب والموسيقى الكلاسيكية والشعبي الجزائري (الشعبي)  .وهاجرت في 1990 إلى فرنسا (غرونوبل)، وانطلقت مسيرتها الموسيقية من تجربة المنفى والهجرة لتعيد تركيب موسيقى تنهل من الأمازيغية والعربية، ممزوجة بتأثيرات الجاز والهيب هوب والموسيقى الإلكترونية. صوتها يحمل شجن الاغتراب، وحنينًا إلى الجذور، يجعلها قادرة على النفاد إلى أعماق المتلقي

 وقد افتتحت هند النعيرة العرض بنغماتٍ من “القناوة” عبر آلة القمبري، مصحوبة بإيقاعات عميقة تنبعث مما يسمى صاجات أو شقاقش  والتي يستخدمها الشباب المصاحب لها ، ما أدخل الجمهور مباشرة في أجواء شبه صوفية. الإضاءة كانت خافتة ومتماوجة، تنسجم مع الحالة النفسية التي أرادت النعيرة خلقها: الانخطاف والانغماس.فالسهرة تجربة حسّية موسيقية نادرة استمدت عمقها من جذور أفريقيا والمغرب، وأثارت تجاوبًا من الجمهور من خلال ترديد كلمات معروفة مثل “امبارا مسكين” و”سيدي ميمون”  .

فيما جاء ظهور جازية ساطور على الركح وهذه ثالث مشاركة لها في تونس بعد حضورها في “جاز قرطاج” 2017  هادئًا لكنه واثقا وقويا ،فهي تمزج في موسيقاها بين الجذور الجزائرية (الchaabi) والتجارب الغربية مثل الفولك، الجاز، البوب والإلكترونيك  وتغنّي باللغتين العربية والإنجليزية، وتطرق لمواضيع مهمة  مثل الحرية، الزمن المار، الحب والغربة  وقد بدأت فقرتها  بغناء مقاطع باللهجة الجزائرية والأمازيغية، تحمل بين طيّاتها حكايات الشتات والمنفى. تماهي صوتها مع الإيقاعات الروحية أعطى بعدًا دراميًا داخليًا، يحاكي السماع الصوفي ويعيد تفسيره من زاوية معاصرة.

التقاطع بين العالمين الفنيين كان متناغمًا: هند النعيرة تمسك بالأرض، بالإيقاع، بالجذور، بينما تحلّق جازية ساطور بالصوت والكلمة والتعبير الحسي. لحظات الذروة في العرض جاءت حين اجتمع الغناء الحر مع تصعيد الإيقاع، ليشكّل لحظة جماعية من الانخطاف، شارك فيها الجمهور بالغناء والتصفيق ومن الناحية البصرية، اعتمد العرض على بساطة الركح وتوزيع ذكي للإضاءة، مع غياب الزخرفة المفرطة، لإبراز الجسد والصوت كوسيطين أساسيين في التجربة.

وحمل العرض رسالة فنية  تقول  أنّ الموسيقى ليست مجرد أداة ترفيه، بل وسيلة مقاومة، وبحث عن الذات، واستعادة لصوت المرأة في الفضاءات الطقسية والصوفية التي حُرمت منها لقرون.

مهرجان الحمامات الدولي  احتضن عرضًا لم يكن تقليديًا، بل كان رحلة داخلية في الذاكرة والروح، قادتها امرأتان بكل ما تحمله الكلمة من قوّة وجمال وتمرد.

يُذكر أن هذا العرض يأتي في سياق الانفتاح الذي يقدّمه المهرجان على تجارب فنية بديلة تحمل هويّة محلية بروح عالمية، وهو ما تجسّد بامتياز في أداء ساطور والنعيرة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :