- المهدي يوسف كاجيجي
[من لا يعرف الحاج ابراهيم الرايس لا يعرف طرابلس، أبن محلة كوشة الصفار، المدينة القديمة، طرابلس. عبق التاريخ، ام السرايا، الممزوجة بروائح الحناء والمغسولة بماء الزهر، طرابلس ازقة ما بين السور، المتداخلة والمترابطة بمحبة ساكنيها عندما كان الوطن هو العشق الأوحد لقاطنيه، العصامي الحالم الذى بدأ صغيرا وأصبح يملك أكبر واشهر محلات للسجاد في المدينة ،الحكيم بالفطرة، عندما ارسل احدى أبنائه إلى الخارج للدراسة كنت حاضرا لحظة الوداع فقال له: يا وليدي اوصيك بالاجتهاد في تحصيلك العلمي ولكن اوصيك أيضا بتعلم الملاكمة والكاراتيه العلم هو المستقبل ولكن التعامل مع البشر في بلادنا يحتاج أحيانا إلى استخدام الأيدي.]وصية لم استوعبها وقتها، ولكنني أدركت الحكمة من ورائها، مجسدة في التجربة السياسية التي خاضها الأستاذ الدكتور محمود جبريل رحمه الله. فالرجل كان عالمًا جليلًا في تخصصه، دمث الخلق متواضعا عفيف اللسان، كان وطنيًا أكثر منه سياسيا. في عصر يحكمه قانون (عندك حق يا ابوحيطة ).
عصر ندر فيه استخدام العقل، وسيطر عليه الصوت الجاهل العالي، واليد القوية الظالمة، وغاب فيه المنطق واختفي الحوار، وأصبح الطريق فيه ذا إتجاه واحد: ” خُذْ والا خلي ” – ” وعنز ولو طارت “.رحلة حياة بدأت من خارج الوطن، كان رأس المال فيها العصامية والعلم. عرفته الدنيا قبل أن يعرفه أهله. يقول الأستاذ عبدالحفيظ غوقة، نائب رئيس المجلس الانتقالي الأسبق، في مقابلة على احدى القنوات الفضائية، في برنامج أعد لتأبينه : اول مرة شاهدت فيها الدكتور محمود، كان في مقابلة مع قناة عربية مشهورة، لم اسمع باسمه من قبل، شدني اليه الكاريزما التي يتمتع بها، وعندما اعلن المذيع في نهاية الحلقة عن إنه ليبي شعرت بالفرح والفخر.جبريل الذي قتلناه كمداًعندما كان الدكتور وفريقه يقوم برحلات مكوكية بين عواصم الدنيا، بحثا عن التأييد لفبراير، كان خصومه يخططون لإقصائه. وفى أول عملية انتخابية أكتسح فريقه صناديق الاقتراع بأرقام على حافة المليون، أرقام لم يحققها أحد من قبل على الساحة الانتخابية في ليبيا، ولن يحققها أحد مستقبلًا. كل ذلك لم يشفع له بل تطور الامر إلى معارك شرسة خرجت عن نطاق الأصول والأخلاق والأعراف، ووصلت الامور إلى التهديد بحرق الوطن بكامله، وانتهت المسرحية علي طريقة ( اقلع لي عين مقابل العمي الكامل لأخي )، وتم إصدار قانون العزل السياسي، الذى تم فرضه بقوة السلاح، وتم فيها إقصاء الرجل وإخراجه من المشهد السياسي الليبي، وضياع فرصة نادرة لإرساء قاعدة التداول السلمي للسلطة، فى وطن دفع به إلى حافة الضياع،ليدخل في صراع مسلح، تطور إلى حروب مناطقية واهلية لازالت تدور على أرضه حتي الان.رحم الله الأستاذ الدكتور محمود جبريل. كان رجلا دمثًا خلوقًا وعالمًا متواضعا، ينطبق عليه قول سيدنا على رضي الله عنه (رجل يدري ويدري انه يدري فهو عالم فاتبعوه) رجل لو لم يكن ليبيا لكان له شأن آخر، اعتقد أنه بالعلم والعشق للأوطان تتحقق الأحلام، وأنا أجزم أن ما فعلناه به، لم يقرأه قبلا في كتاب واجزم أيضًا أننا قتلناه كمداً، قبل ان يموت شهيدا بهذا الفيروس اللعين. نسأل الله له ولنا المغفرة ونتضرع اليه في هذه الأيام المباركة، أن ينزع الحقد والحسد من قلوبنا ويزرع مكانها الحب ويخرجنا من الضيق إلى الفرج، ويرحمنا مما هو قادم.• يعاد النشر بمناسبة الذكري الأولى لرحيله.