بقلم :: إبراهيم عثمونة
استهلكته الأيام والسنوات والفتح والتسكير حتى بات إذا فتح لا يغلق وإذا اغلق لا يفتح . ومنذ سنة صرتُ اسمع أطفالي يشتمونه وهم يحاولون فتحه في حين كنت اتدخل وأفتحه بطريقتي . ما كنتُ أعرف أن الأقفال هي الأخرى يصيبها الكبر العجز . يوم أمس توقف تماماً وتصلب كل شيء فيه وما عاد يدور في داخله المفتاح فجلبتُ له نجاراً وجلبتُ معي قفلاً جديداً.
إنه قفل باب بيتي الذي يظهر في الصورة.
أوصيتُ النجار أن يتعامل معه بلطف . أن يفك مساميره ويسحبه ويتعامل معه كما لو أنه يتعامل مع صديق وافاه الأجل . جلستُ قريباً من هذا الفني لأشهد رحيل هذا الصديق .
فرحوا اطفالي بالجديد وحزنتُ انا على هذا الذي عاش معي عشرين عاماً أو اكثر ، شعرتُ والنجار يناولني إياه كما لو انه يناولني جثمان صديق أمين . مسحته ، وأزلت الصدأ الذي عشش في زواياه من الداخل ورفعته ووضعته فوق مكان مرتفع حتى أنظر في أمره . فأنا لن اقبل تحت أي ظرف أن أرمي القفل الذي كنتُ أأتمنه على كل شيء . أشعر أن في ذلك الكثير من نكران الجميل . لن أرميه إلى سيارة النظافة التي تمر خلف البيت كل صباح ، وإذا كان خروجه من البيت ضرورة لابد منها فلن يخرج هذا القفل إلا من الباب الأمامي.
أخذته من النجار المصري بشيء فيه الكثير من الاحترام .. صرختُ في وجهه وهو يهم برميه على الأرض بعد أن فكه وسحبه من الباب ، فوقف مشدوهاً ومستغرباً ، وزاد استغرابه أكثر حين شاهدني أقترب منه بأدب وآخذ منه القفل بيدي الاثنين . أخبرته انه لا يوجد عاقل وغير عاقل ولا يوجد جماد وكائن حي ، هذه نظرية غير دقيقة وقد لا تكون موجودة أصلا ، فقفل مثل هذا القفل هو أكثر أمانة من غيره وأكثر ثقة فكيف يكون جماداً !
أوصيتُ هذا المصري بأن لا يرمي الأقفال مرة اخرى ، وأن يحترمها ويجلها كما البشر وربما أكثر من البشر ، فالقفل ما كان ليوجد في هذه الحياة لو لم يكن هناك بشر تسرق ، ولا شيء يمكن ان يعطل أو يؤخر سرقتهم كما يفعل القفل ، لذلك لا يجوز أن ننسى فضله لأنه بات لا يقفل ، ولا يجب أن نرميه لأنه أستهلك وما عاد يدور فيه المفتاح ، ولا يصح أن نصنفه من ضمن الأشياء الجامدة في حين كنا نأتمنه على أهم وأغلى ما عندما من إنسان عاقل لكنه سارق.