جزء من رواية لازورد

جزء من رواية لازورد

في الزمن الخامس عشر/ سيظل الفضاء أزرق / عبير العطار

راجعت مقالي الأسبوعي متحدية كل الظروف التي تحاول نسف قضيتهم ومحو هويتهم مع أرضهم المفقودة:

إن الإقصاء يعني المحو من دفتر الأحوال الأرضية، الرفض لا يعني القدرة على التنفيذ وإحالة الأمنيات إلى واقع موجع، الانتقال السريع يعني تزاحم الأرواح على بوابة السماء وكأنه وقت الحصاد.

أذرع ملك الموت في العالم ممتدة وناجزة، والشيطان هوسه الانتقام، أما البشر المساكين فيتحملون أهوالا يساقون بها إلى العالم الآخر، المصير هو الفناء ومن الفناء تخلق حياة أخرى، وهكذا حتى نعود إلى منبع الروح ومصدر النفخة الأولى.

أنا أقف الآن على الحافة نفسها، لا أعرف هل بإمكاني التوقف عن الحياة، أم أن للحياة رأيًا آخر لا أعرفه. العجيب أن الموت لم يسحقني قدر ما سحقتني الحياة، العمر وهبته للتعلم وما اختبرت نفسي ولا وهبتها فرصة التآلف مع الروح كي لا يتعاركا. ليس من الصعب أن يموت المرء، الأصعب أن نعيش متحملين مذلة الإحساس بالعجز عن التفاعل وفقد عنصر التغيير. الموت القابع في طريق الحياة يقطع علينا فرص الحق والعدل. فالمواقف الجدية هي الفارق الفعلي بين الوهم والحقيقة، فهل هذا الفارق يعني أن الصباح يأتي بأملٍ يقبع في رحم الغيم فيبلل بعدها روحنا العطشى للعدل؟.كيف أصبح النزف بلا ألوان؟“.

في قرارة نفسي قطعت عهدا بإغلاق كل الفضاءات التي فكرت يوما ما أن أكون جزءا منها، قررت مقاطعة الأخبار من جديد لأنهي عذابات المتابعة! وأرسلت للجريدة استقالتي الممهورة بتوقيعي “الإلكتروني” وأخبرتهم أن هذا هو مقالي الأخير.

لقد فهمت فلسفة الحياة وأريد فهم حقيقة الموت، فالسلبية أهون في قتل النفس من استمراء اختفاء الضمير، وسطر واحد هو منشوري الأخير على  “الفيسبوك” اعتبرته ككبسولة نفسية:

أنت مسيّرٌ… ولو خيّروك.

***

كتبت رسالة كي تقرأها نهلة التي ستعود بجناحيها إلى الوطن اليوم وهو الخامس والعشرون من ديسمبر، ساءني أن الطقس الشتوي الذي أعشقه مطير وابتلت فيه الأرض بينما سيجف حبر قلمي:

هالة النور التي تحيط النفس في مقعدها عند الجسد الهزيل، لا تتناوش أبدا مع ما يدور في أفلاك الآخرين. تشعر وكأنها قد قطّعت تلك الهالة وتعرت فاستطابت الدنيا خروجها من الجسد. لا يُملي عليك أحد ما قد يساورك من شكوك حول ماهية التواجد على تلك البقعة من الأرض ولا حول تواجدك الرئيس بين بشر بعينهم ولا في مساراتك نحو طريق محدد أو متغير. لم يكن للروح قلب لذا هي طليقة تتنقل كيفما تشاء وأينما أرادت، فتارة تجدها تصاحبك وتارة تجادل قرينك وتارة تصعد للسماء محلقة مع الملائكة وتارة أخرى تسافر إلى الأحلام.. حتى إذا حان أجلها ذهبت وفارقتك بلا عودة. الروح هي الوحيدة اللصيقة بك، تحدثك وتصدقك القول أو تكذبك.. تنصحك.. تطبطب على أوجاعك وقلما تسكن جسدا آخر جوار سكناها فيك“.

لقطتان أثارا في نفسي هدوءا أترقب فيهما نهاية الأحزان، ترافقني ابتسامتي الساخرة، وتفارقني قهوتي التي بردت؛ فآويت أخيرا لفراشي وأنا أتحسس في رقبتي عقد اللازورد المطعم بالماس الذي وهبته لنفسي، أقفلت المصباح لينعكس من خلفي نور متعاظم من  جناحات الكائن الملائكي المعلق في اللوحة بعدما ألفتُها فوق سريري منذ أربعينها، التفت التفاتة أخيرة لأتأكد من توحد المرأتين ليصبحا امرأة واحدة مغمضة العينين، الثعبان يلتف حول عنقها، يعتصرها بقوة وقد سقطت شمعتها منطفئة، غبار المعركة اختفى وكذلك العبيد.

***

اختتم المحقق تقريره المفصل بوضع كافة النقاط حول مدونة صوفي أبو طالب وأسباب اندفاعها نحو ما فعلته بحق نفسها وتفاصيل مرضها النفسي، ورفعه إلى الجهات المختصة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :