جعلنا الله من أهل الإحسان

جعلنا الله من أهل الإحسان

أخي المسلم: هل وقفت مع نفسك يومًا؛ فسألتها: أين هي من مراقبة الله تعالى؟

قليل أولئك الذين وقفوا هذه الوقفة مع أنفسهم.. وسألوها.. وحاسبوها في خلواتها.

وأما الأكثرون فقد غفلوا عن المحاسبة.. وأعطوا النَّفس مُناها في عدم التشديد عليها..

أرأيت لو قيل لك: إنك مراقب من قِبَل الحاكم؛ كيف سيكون حالك؟!

لا شكَّ أنَّك ستحتاط لنفسك، وستبتعد عن كل موطن يكون سببًا في مساءلتك.

ولكنَّ الكثيرين تجدهم لا يخفى عليهم أنهم مراقبون ممن يعلم السرَّ وأخفى.. تبارك وتعالى. ومع هذا تجده لا يلتفت إلى هذه الرَّقابة!

وهذه الغفلة هي حال الكثيرين من أولئك الذين لم يستشعروا رقابة الله تعالى!

ولعظم مرتبة المراقبة؛ فإنَّ الله تعالى بعث لنبيه r أمين وحيه جبريل u؛ لتذكيره بشرف هذه المرتبة.

ففي حديث جبريل u الطويل، عندنا سأل النبي r عدة مسائل، ومنها: قال: «يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه، فإنه يراك» [رواه البخاري ومسلم].

قال الحافظ ابن رجب: «يشير إلى أن العبد يعبد الله على هذه الصفة، وهي استحضار قُرْبه، وأنه بين يديه كأنَّه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم…».

أخي المسلم: إنَّ من راقب الله تعالى في أفعاله وأقواله؛ كان من أهل الإحسان.. وأهل الإحسان هم الذين قال الله تعالى عنهم: }لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [يونس: 26].

قال الحافظ ابن رجب: «وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي r تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله عزَّ وجلَّ في الجنة، وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنَّه يراه بقلبه، وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك؛ النظر إلى الله عيانًا في الآخرة».

فيا من خلوت بمعاصي الله! اعلم أن الرَّقيب عليك من لا تخفى عليه خافية!

ويا من خلوت بمعاصي الله! أنسيت مراقبة ملك الملوك؟!

كم من أُناس إذا خلوا بأنفسهم نسوا تلك الرَّقابة الإلهية.. وغرَّهم حلم الله تعالى.. فوقعوا في الآثام.. وارتكبوا الحرام!

قال بعض العارفين: «اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك!».

وقال بعضهم: «خَفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك».

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: «الخاسر من أبدى للناس صالح عمله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد!».

فيا غافلاً عن رقابة ملك الملوك!

إنك في مُلْك من لا يخفى عليه أمرك.. ولا سترك منه حجاب!

وحرِيٌّ بمن علم أنه مراقب من الله تعالى؛ أن يحذر حقَّ الحذر.. وأن يستحي منه حقَّ الحساء..

قال ابن الجوزي رحمه الله: «الحق عزَّ وجلَّ أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه، البعيد منه، فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له، فقلوب الجهَّال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر؛ لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قُربه فحضرتهم المراقبة، وكفَّتهم عن الانبساط».

أخي المسلم: إنَّ داء الكثيرين من العُصاة؛ الغفلة عن مراقبة الله تعالى… ونسيان اطلاعه عليهم..

فأعجب من رجل سليم الفطرة؛ يعلم أن الله تعالى مطلع عليه؛ ثم إذا خلا بمحارم الله انتهكها!

فلا خوف من الله تعالى يصرفه.. ولا حياء منه يرده!

وهذا هو حال كثير من الجهال الذين لم يستشعروا عظمة الله تعالى.. ومراقبته!

كتب ابن السماك الواعظ لأخ له: «أما بعد: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيُّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حالك في ليلة ونهارك، وخَفِ الله بقدر قُربه منك، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك».

فيا من ركبت الذنب إذا هجعت العيون.. اعلم أن هنالك عين لا تنام!

ويا من ركبت الذنب إذا أسدل الليل أستاره.. اعلم أنك تحت بصر من لا يخفى عليه شيء!

خرج عمر بن الخطاب t إلى مكة، فنزل في بعض الطريق، فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له: يا راعٍ، بعني شاة من هذه الغنم؟

فقال: إني مملوك.

فقال: قلْ لسيدك أكلها الذئب.

قال الراعي: فأين الله؟!

فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك، فاشتراه من مولاه وأعتقه.

وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقلك في الآخرة!

أخي المسلم: إذا تأملت هذه القصة، وجدت أن مراقبة الله تعالى، تثمر عن ثمار يانعة؛ من خوفٍ لله تعالى، وصدق، وإخلاصٍ، وأمانةً.

كل تلك الخصال السامية؛ تجدها في أولئك الذين جعلوا المراقبة من بالهم..

وهي صفات عزيزة نادرة؛ كندرة هذه الصفة: (صفة المراقبة).

قال الإمام الشافعي رحمه الله: «أعزُّ الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يُرجى ويُخاف».

أخي المسلم: مراقبة الله تعالى أكرم الطاعات..                                         وأنبل ما اتصف به المتصفون..

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :