جنوب ليبيا: حين يسكن القرن العاشر في عقول القرن الحادي والعشرين

جنوب ليبيا: حين يسكن القرن العاشر في عقول القرن الحادي والعشرين

سلمى مسعود عداس.

المشكلة في جنوب ليبيا ليست فقط في الظروف الاقتصادية أو التهميش السياسي، بل في العقليات التي تأسست على خطأ، ونشأت على طقوس بدائية جعلت من العادة دينًا، ومن الطقس قانونًا، ومن الجماعة دولةً كاملة. هذه العقول تعيش معنا في القرن 21 جسدًا، لكنها ما زالت تحاكم الناس بعقلية القرن العاشر.

التمرد خيانة لا حرية.

في هذه المجتمعات، مجرد أن تقول “لا” يُنظر إليك وكأنك خائن. يصفونك بالتمرد وكأنك ارتكبت جريمة، لا لأنك رفضت الدين أو القانون، بل لأنك رفضت مقدساتهم المزيفة: الطقوس والعادات التي يعبدونها.

التكفير لحماية العادة.

أخطر ما في هذه الذهنية أنها تُقدّس العادة حتى تعلو على الدين نفسه. من يرفض طقسًا يُعتبر كافرًا. التكفير هنا ليس لحماية العقيدة، بل لحماية تقليد بالٍ ورثوه دون وعي. إنها عبادة العادة لا عبادة الله، وهي الدليل الأوضح على الانحراف الفكري المتغلغل في المجتمع.

الشذوذ الفكري تهمة جاهزة.

ولأنهم عاجزون عن مجاراة الفكر، يلجؤون إلى وصم المختلف بأنه “شاذ فكريًا”. بينما الحقيقة أن العقل الحرّ في وسط هذه العقليات هو العقل السليم الوحيد. لكنهم لا يحتملون المختلف، لأن اختلافه يفضح هشاشتهم ويكشف تآكل أفكارهم.

التحرر كفزاعة.

ومن تناقضات هذه العقول، أنها كلما عارضتَها اتهمتك بالسعي وراء “التحرر”، لكنها لا ترى التحرر إلا على أنه فسق وفجور وانفلات. في حين أن المختلف يؤمن أن الدين عدالة، والقانون عدالة، والإنسان حقوق. لكن كيف تفهم هذه العقول العدالة وهي محبوسة في قوالب بدائية لم تغادر القرن العاشر بعد؟

مثال فاضح: التحرش.

ظاهرة التحرش تكشف عمق الجهل في هذه البيئة. فالمجتمع هناك لا يرى في المتحرش مجرمًا، بل يلقي اللوم على الضحية باعتبارها “جذبته إليها”. بهذا المنطق المعكوس، يُعفى المجرم من ذنبه وتُدان الضحية بجرم لم ترتكبه. إنها ليست مجرد عادة سيئة، بل عبادة لفكرة مشوَّهة متوارثة. وفي الجنوب الليبي، يشتد هذا المنطق حتى يصبح عرفًا مقدسًا لا يُناقش.

مجتمع في القرن العاشر.

المأساة أن هذه العقول التي تُسيطر على جنوب ليبيا، لا تزال تعيش وكأنها في القرن العاشر: نفس أحكام الجاهلية، نفس محاكم التفتيش الاجتماعية، نفس المنطق البدائي الذي يقدّم الطقس على الدين، والعادة على العقل، والجماعة على الإنسان. وفي المقابل، نحن في القرن الحادي والعشرين، نتحدث عن حقوق، عدالة، قوانين، وحرية فكر… لكننا نصطدم بجدارٍ من الجهل المتوارث.

خاتمة:

جنوب ليبيا اليوم يحتاج إلى مواجهة شجاعة لهذه العقليات، لا إلى مجاملتها. فالمجتمع الذي يقدّس الجهل لا مستقبل له، والمجتمع الذي يحاكم المختلف بعقلية القرن العاشر لا يمكنه أن يبني حضارة في القرن الحادي والعشرين. التحرر من الطقوس ليس فسقًا، بل بداية طريق العدل والكرامة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :