- بقلم / عبد الرحمن جماعة
بما أن تقنية صناعة الروبوتات قد تقدمت بشكلٍ كبير، وأن قدرات هذه الروبوتات التفاعلية قد تطورت إلى درجة أنه صار يحاكي حركة الإنسان في كل صغيرة وكبيرة، بل وقد تفوق على الإنسان في إجراء أدق العمليات الحسابية وحلِّ أعقد المعادلات الرياضية.. فما المانع.. نعم.. ما المانع من أن نطلب من اليابان أن تُصنِّع لنا روبوتاً يحكمنا؟ نعم.. إنسان آلي يتولى منصب الرئيس ويكون بديلاً للحاكم في بلداننا. وسأخبركم عن مزايا هذا الحاكم.
أولاً:إن هذا الروبوت الحاكم لن يدَّعي أن له علاقة بالله، وأن الله قد خصَّه بمزايا لم يخص بها غيره.
ثانياً:أن هذا الحاكم ليس له نوازع بشرية وغرائز إنسانية قد تدفعه للبقاء في السلطة والتشبث بها والقتال من أجلها، وأن عملية استبداله بروبوت أحدث هي عملية يُمكن أن يقوم بها أي طالب من طلبة معاهد التقنية.
ثالثاً: أنه ليس لديه شهوة جمع المال وتكديسه والانشغال به عن قضايا الناس، وإصدار قرارات رعناء لا هدف منها سوى مصلحته الشخصية.
رابعاً: أنه لا يُمكن إخافته أو تهديده أو ابتزازه من أي طرف في الداخل أو الخارج.
خامساً: أن تكلفته مهما علت وارتفعت لن تبلغ معشار ما ينهبه أنزه وأفضل وأصدق وأنبل حاكم عربي على الإطلاق. سادساً: أن هذا الحاكم ستتم برمجته بجميع القوانين واللوائح والأنظمة التي لن يتجاوزها أو يتعداها قيد أنمُلة.
سابعاً: أنه لن يكون عُرضة للاغتيال، ولن يُفكر أي أحد في الانقلاب عليه.
ثامناً: أنه لا يحمل أي أحقاد أو ضغائن أو عُقد نفسية أو مشاعر سلبية يمكن أن تؤثر سلباً على قراراته.
تاسعاً: أنه لا ينتمي لأي قبيلة أو فئة أو طائفة، ولن تكون له أي ولاءات لأي جهة في الداخل أو الخارج.
عاشراً: أنه لا يتأثر بالمديح والثناء، ولا يغتر بالتمجيد والتطبيل، وأنه لا يتفاعل مع الشعراء ولا يتفهم شعرهم.. فلو قام شاعرٌ – مثلاً – بوصفه بأنه كالشمس التي تُشرق على الجميع.. فسيقوم الروبوت – وفي خلال جزء من الثانية – بإجراء آلاف العمليات الحسابية التي يقيس فيها الفارق بينه وبين الشمس من حيث المسافة والحجم والشكل واللون ودرجة الحرارة والعمر الافتراضي والفائدة والقوة والتأثير وسائر الوظائف.. إلخ. ثم يرد على الشاعر بكلمة واحدة فقط، وهي “Error”، إلا أننا سنطلب من اليابانيين أن يستبدلوا هذه الكلمة بجملة: “اغربْ.. عن.. وجهي.. أيها.. المتملق1”. كذلك لو قام مجموعة من المتملقين يهتفون له : “نموت نموت ويحيا الزعيم”، فإن الروبوت سيقوم بعدة عمليات حسابية – وفي جزء من الثانية أيضاً – يحسب فيها مقدار الفائدة وحجم المصلحة وقدر الضرورة لهذه التضحية الضخمة التي تستدعي التنازل عن شعبٍ بأكمله من أجل فرد واحد، وهل كل هذا العدد من الناس لا يحتوي على شخصٍ واحد يصلح ليكون بديلاً لهذا الزعيم.. بدلاً من إفناء الشعب برمته من أجل بقائه. ثم سيكتشف الروبوت أن الحاكم نفسه سيفقد قيمته ومكانته ومبرر وجوده بمجرد موت الشعب، لأنه حاكم بسبب وجود المحكومين، ورئيس بسبب وجود المرؤوسين، وملك بسبب وجود المملوكين، فإذا انتفى وجودهم انتفى وجوده، لأن القاعدة تقول: “الحاكم يدور مع محكوميه وجوداً وعدماً”!.
وسيُدرك الروبوت أن قيمة الشعب أعلى من قيمة الحاكم، وأنه من غير المنطق والمعقول التضحية بالأغلى من أجل الأرخص، وبالأكثر من أجل الأقل، ولا يصح الاستغناء عن الجماعة لصالح الفرد، ولا يجوز استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.. وفور انتهائه من إجراء هذه الحسبة سيقوم بالرد على هؤلاء المنافقين: “اغربوا .. عن .. وجهي .. أيها .. المنافقون”. وبعد الانتهاء من تنصيب الحاكم الإلكتروني، سنشرع في تغيير الوزراء ونواب البرلمان واحداً واحداً، وتغيير محافظ المصرف المركزي وكافة المسؤولين في المؤسسات الكبرى. ختاماً.. قد تبدو هذه الفكرة خيالية أو طوباوية بعض الشيء.. لكنها أقل شطحاً من تقديس وتمجيد وتأليه شخص يستعمل المرحاض ثلاث مرات في اليوم (على الأقل)2، وأقرب إلى الواقعية من الإنسان العربي الذي تمت برمجته على هذا التأليه والتقديس لفردٍ لمجرد أنه استلم أعلى وظيفة في الدولة، وأن هذه البرمجة لم يتم تغييرها أو تطويرها أو تحديثها منذ أن قال أولهم: فإنّكَ كاللّيلِ الذي هو مُدْرِكي .. وإنْ خِلْتُ أنّ المُنتأى عنك واسِعُ.
1- في الحاكم الليبي ستكون الكلمة “زمزاك” بدل “متملق”. 2- في حالة الإسهال قد تصل إلى عشر مرات.