إعداد – خديجة حسن.
لم يتجاهل رغم مشاغله الكثيرة، وأعماله العظيمة، الطفل المسلم بل إن تعامله مع الأطفال يؤكد على فهمه العميق لنفسيتهم وطبائعهم وشخصياتهم وما فيها من فروقٍ فردية، وحاجاتٌ نفسية، ودوافعٌ فطرية، وبناءً على ذلك فقد وجّههم صلى الله عليه وسلم بطريقته الحكيمة، وأسلوبه التربوي المناسب، وهذا ما سبق به نظريات رجال التربية الغربيين قديمًا وحديثًا.
وإن كتب السيرة تفيض بالأمثلة الرائعة على تعامله الرحيم للطفل في كل جانبٍ من جوانب الحياة.. وهذه بعض الأمثلة أسوقها للاقتداء بها في تربيتنا وتعليمنا وتوجيهنا، وتعاملنا مع الطفل. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس الأطفال أدب السلام من خلال فعله، فكان إذا مرّ عليهم وهم يلعبون سلّم عليهم ومسح رؤوسهم، وكان يُوجِّه أنَسًا رضي الله عنه بقوله: «يا بني إذا دخلت على أهلك فسلِّم عليهم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» (رواه الترمذي) كما ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطفل على الحفاظ على حقه والتمسك به ضمن حدود الأدب والاحترام للكبار، “فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشرابٍ فشرِب منه، وعن يمينه غلامٌ وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أُعطي هؤلاء؟». فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أُوثر بنصيبي منك أحدا فتله -أي وضعه- (رواه البخاري)، رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترم حقه ولم يُعنِّفه على ذلك.
غرس الأخلاق الفاضلة: كذلك اهتم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بتثبيت الأخلاقيات الفاضلة في الأطفال منذ نعومة أظفارهم حتى يشبوا عليها وتُصبِح جزءًا أصيلًا من شخصياتهم. فهذا عبدالله ابن عامر رضي الله عنه يقول: “دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: تعال أُعطيك، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما أردتِ أن تعطيه؟» قالت: أردت أن أُعطيه تمرًا، فقال لها: «أمَا أنكِ لو لم تُعطهِ شيئًا كُتِبَت عليكِ كِذبةٌ» (رواه أبوداود) وبهذا الموقف يُثبِّت صلى الله عليه وسلم خُلق الصدق في نفس الطفل من خلال تربية أمه له. وهذا موقفٌ آخر لغرس خُلق حفظ الأسرار من خلال تعامله صلى الله عليه وسلم مع أنس رضي الله عنه الذي قال فيه: “خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي، قلت: يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون”، قال: “فجئت أنظر إلى لعبهم”، قال: “فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم على الصبيان يلعبون” قال: “فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى حاجةٍ له، فذهبت فيها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيءٍ -ظل- حتى أتيته واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت آتيها فيه، فلما أتيتها، قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ له، قالت: وما هي؟ قلت: هو سِرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاحفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرّه. وفي موقف آخر ولم يقتصِر اهتمامه صلى الله عليه وسلم على الذكور وإنما أوصى بحُسن تربية الإناث بقوله: «مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها ولم يُؤثرْ ولَده عليها يعني الذكَرَ أدخلَه اللهُ بها الجنةَ» (رواه أحمد)، وهذا موقف عملي لرجلٍ كان مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فجاءَ ابنٌ لهُ فقَبَّلَهُ وأجلسهُ على فَخِذِهِ، ثم جاءتْ بنتٌ لهُ فأَجْلَسَها إلى جنبِه، قال صلى الله عليه وسلم: «فهلَّا عَدَلْتَ بينَهُمَا؟» (حسّنه الألباني). وهذا العدل في معاملة الذكور والإناث يُمثِّل قمة التعامل بين الأنباء، ونفقده في أيامنا الحاضرة في معظم الأُسر كذلك أوصى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم برعاية اليتيم وحُسن تربيته فقال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» يُشير بإصبعيه (رواه البخاري) إن ما سبق غيض من فيض من سيرة حبيب الأطفال محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أردنا الإطالة لكلّفنا هذا مجلداتٍ ومجلدات للشرح والاستفاضة في حُسن تعامله مع الأطفال، ويكفيه صلى الله عليه وسلم أنه مَلكَ قلوب الأطفال في زمانه حتى أنهم كانوا يقتلون من يؤذيه صلى الله عليه وسلم.. فهذا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه يصف ما حدث وهو في قلب معركة بدر فيقول: “بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ، فنظرتُ عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامينِ من الأنصارِ، حديثةٌ أسنانهما، تمنيتُ أن أكونَ بين أضلعٍ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمِّ هل تعرفُ أبا جهلٍ؟ قلتُ: نعم، ما حاجتكَ إليهِ يا ابنَ أخي؟ قال: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيدِهِ، لئن رأيتُهُ لا يُفارقُ سوادي سوادَهُ حتى يموتَ الأعجلُ مِنَّا، فتعجبتُ لذلك، فغمزني الآخرُ، فقال لي مثلَها، فلم أَنْشِبْ أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ في الناسِ، قلتُ: ألا، إنَّ هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراهُ بسيفهما، فضرباهُ حتى قتلاهُ، ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبراهُ، فقال: «أيكما قتلَهُ؟». قال كلُّ واحدٍ منهما: أنا قتلتُهُ، فقال: هل «مسحتما سيفيْكما؟». قالا: لا، فنظرَ في السيفيْنِ، فقال: «كلاكما قتلَهُ» (رواه البخاري )