- يونس الفنادي
حضرتُ ليلة البارحة بعد صلاة التراويح بمدرج المرحوم رشيد كعبار بجامعة طرابلس محاضرة الدكتور عبدالواحد شعيب أستاذ التاريخ الإسلامي المعنونة (الأندلس: تاريخ وحضارة) والتي قدمه فيها الدكتور عبدالحميد الهرامة رئيس مجمع اللغة العربية بطرابلس، وذلك ضمن فعاليات المنتدى الثقافي بالجامعة بحضور عدد من الأساتذة المتخصصين على رأسهم الدكتور خالد عون رئيس جامعة طرابلس، والدكتور جمال الجازوي عميد كلية الآداب واللغات وغيرهم من المهتمين والمثقفين.
ولا شك بأن الحديث عن تاريخ الأندلس بقدر ما فيه من ثراء فكري وشعري ونثري وتنوع إبداعي، بقدر ما يحمل الكثير من الوجع والألم والحزن على فقدان ذاك الإرث الإسلامي العظيم بقلب أوروبا وأفول تلك الحضارة المتقدمة التي ظلت تشع لقرابة ثمانية قرون على وسط أوروبا وربوع العالم كافةً.

وقد طاف بنا الأستاذ المحاضر في تاريخ الأندلس متناولاً العديد من الشخصيات والأحداث، ومعززاً حديثه بالأبيات الشعرية الجميلة والمواقف والطرائف، مبيناً بعض الفوارق التخصصية للمدن الأندلسية مثل قرطبة وغرناطة ومالقة واشبيلية وتباين اهتمامات كل مدينة مستذكراً العديد من الشعراء والملوك والعلماء والأمراء والطوائف.
ولكن في تصوري أن ما غاب عن المحاضر هو عدم تناوله أسباب أفول الأندلس وضياعها!! وعدم تسليط الضوء على هذا الجانب في محاضرته، وهو ما دعاني عقب مداخلة الدكتور عبدالله الزيات الأستاذ المتخصص في الأدب الأندلسي حين عرج فيها على ذكر المفكر الإسلامي مالك بن نبي، لأطلب الكلمة وأطرح سؤالاً طالب الجميع بأن يكون موضوعاً لمحاضرة قادمة تخصص للاجابة عليه.

وقد ذكَّرت الحاضرين بأن المفكر الجزائري المسلم مالك بن نبي قد شخَّص نظرياً القابلية للاستعمار منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً وتحديداً سنة 1949م عند صدور كتابه (شروط النهضة) في طبعته الأولى وتحديده للمؤثرات الثلاثة الأساسية فيها وهي: الإنسان والتراب والوقت. وقد ظلت حالة العرب منذ ذلك الزمن تراوح مكانها، رغم ذاك التشخيص، دون اتخاذ أية تدابير أو إجراءات عملية لوقف فقدان الأرض العربية، لأن الخسارة لم تتوقف عند ضياع الأندلس وفقدانها فحسب، بل بعدها ضاعت فلسطين ثم الجولان ثم شرق الأردن ثم جزر طنب الصغرى وأبو موسى وطنب الكبرى، ثم جنوب لبنان والآن يتعرض جنوب ليبيا للاستقطاع والضياع والفقدان.
فمتى يستفيق العرب؟
لا شك أن المطالبة باستعادة الأندلس والبرتغال وشبه جزيرة ايبيريا تبدو مستحيلة وغير منطقية وفق الظروف السياسية السائدة وتفاوت موازين القوى العربية والدولية، ولكن العمل على وقف نزيف استقطاع الأراضي العربية أراه ممكناً لو طبق العرب عملياً ما جاء في شروط النهضة وتغيير ظروف القابلية للاستعمار، وتبصرواً في المعطيات الراهنة، وذلك حتى لا نخسر أندلساً آخر.