الحقوقي : أحمد محمد بيّوض
ثانياً – محو الأمية للكبار .
يقصد بمحو الأمية تعليم المواطنين الأميين للوصول بهم إلى نهاية الحلقة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي و يقصد بتعليم الكبار إعطاؤهم قدراً مناسباً من التعليم لرفع مستواهم الثقافي و الاجتماعي و المهني لمواجهة المتغيرات و الاحتياجات المتطورة للمجتمع و إتاحة الفرصة أمامهم لمواصلة التعليم في مراحله المختلفة، هذا ما ورد في نص المادة ((68)) من قرار مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية رقم ((1013)) لسنة 2022م
في حين عرّفت الأمم المتحدة “محو الأمية” بأنه حق إنساني، و ادأداة تعزز القدرات الشخصية و تحقق التنمية البشرية و الاجتماعية، و هي بذلك نشر القدرة على الكتابة و القراءة بشكل بسيط و بأي لغة للأشخاص الأميين .
فأما لغةً، فإن “الأمية” تعني الأم؛ أي بقاء الإنسان على ما ولدته عليه أمه أو ما تعاهد عليه في صغره، أما في عام 1971م تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة (اليونيسكو) تعريفاً آخر و ” اكتساب القدرات و المعلومات اللازمة لممارسة النشاطات التي تتطلّب وجود الألفبائية فيها بفعالية، ويستطيع تعلّم القراءة والكتابة بطريقة تسمح بتوظيف هذه المهارات في خدمة النمو الفردي والجماعي ” .
لكن بالعودة للمشرع الليبي فقد أفرد مكانة خاصة ترعى خصوصية الظرف الاقتصادي و الاجتماعي للفئة السنية البالغة ” الكبار” و المستهدفة من تلك المبادرة الوطنية – محو أمية الكبار – بخلق آلية لتعليمهم في الفترة المسائية، حتى تسمح الفرصة لهم بالعمل في الفترة الصباحية عطفاً على كونهم أرباب أسر في غالبيتهم .
لكن ليس بالضرورة أن كل من التحق ببرنامج محو أمية الكبار هو من فئة أرباب الأسر، فقد حدد المشرع الليبي أن من يصنف من فئة الأمية هو كل من بلغ الـ 15 سنة و لم يلتحق بالمدرسة و لا يجيد القراءة و الكتابة، على أن يتكفل مركز المناهج التعليمية و البحوث التربوية بإعداد مناهج خاصة تعتمد من جهات الاختصاص في هذا المجال، في إشارة إلى احترام كينونة الفئة المستهدفة، فمفردات المنهج الدراسي الذي قد يسري على الطفل لا يمكن أن يتواءم مع الملكات الفكرية المتقدمة عند البالغين من المستهدفين، من هذا الباب سيؤكد المنهج الدراسي على الإضافة العلمية للتراكم العملي الذي اكتسبه المتعلم المستهدف من برنامج محو أمية الكبار
تحتفظ ليبيا دائماً بالأسبقية في مجال الحفاظ على الحق الإنساني – تشريعياً على أقل تقدير – و ليس تأسيس الجامعة المفتوحة (في فلسفة تعليم الكبار و التربية و التعليم المستمرين) إلا دليلاً على محاولة الدولة استيعاب كل أطياف المجتمع خصوصاً تلك الفئة التي تعسر عليها استكمال دراستها لسبب أو لآخر.
لكن بالرغم من كل الجهود الحكومية الرامية لإنجاح برنامج محو أمية الكبار كونه مذهباً طموحا إلا أنه ظل محاطاً بعدة عوائق أهمها النقص الحاد في القاعات المخصصة لهكذا نمط من البرامج، و كذلك نقص الكفاءات المؤهلة للتعامل مع فئة الكبار و أيضا ضعف استجابة فئة الكبار لهكذا نمط من البرامج بسبب صعوبة الوصول للمؤسسات المخصصة لذلك أو ضعف الدعاية لذلك، و ربما في هذا مبحث آخر إن اقترحنا في مقال آخر جدوى إقحام برامج “التعلم عن بعد” كداعم لخطط محو أمية الكبار من خلال وصول المحاضر و المادة العلمية إلى مكان المتعلم.