- فسانيا : يونس الفنادي
حضرتُ أمس الثلاثاء حوارية حول (الصورة الفوتوغرافية وجماليات السرد الأدبي) بدار الفقيه حسن بالمدينة القديمة شارك فيها كل من الشاعر والصحفي عبد الحكيم كشاد، والشاعرة الصحفية فتحية الجديدي، وتولى إدارتها الزميل الكاتب والشاعر المصري محمود سباق.
ومن خلال طرح ورقتي المتحدثين الكريمين تباين مفهوم الحوارية وفقاً لعنوانها (الصورة الفوتوغرافية وجماليات السرد الأدبي) وذلك من حيث المعنى الدقيق للصورة الفوتوغرافية، ففي مداخلتي أشرت إلى أن المصطلح الفني لمفردة الفوتوغرافية يحيلنا إلى اللقطة الورقية المصورة الثابتة Printed Photo، بينما ما طرحه الزميلان يذهب بنا إلى مفهوم الصورة الفنية التصويرية الوصفية في السرديات باستخدام حروف وكلمات وعبارات اللغة النثرية، وليس إشارة إلى اللقطة الفوتوغرافية المصورة تحديداً، خاصة وأنه تم تناول الوصف المتحرك والاستدلال بمشاهد الفيديو والسينماء. وقلتُ يا حبذا لو كان عنوان الحوارية أكثر اتساعاً وشمولية ليكون مثلاً (الاستضافة البصرية في الكتابات السردية) أو (التكوينات السيميائية في النص الأدبي) أو غيرهما بحيث يسمح بتناول حضور الوصف التصويري المتحرك واستحضار اللوحة الفنية التشكيلية في أغلفة الكتب والاصدارات الأدبية والتكوينات المرئية كافةً إضافة إلى لقطات الصور الفوتوغرافية الثابتة، ومحاولة العزف على منوالها عكسياً للتعبير التصويري بحروف اللغة وتقنية الوصف السردي.
وأشرتُ إلى أن الصورة الفوتوغرافية قد تكون مصدراً للكتابة السردية، ونموذجي على ذلك كتاب (ألبوم ليبيا) الذي أعدته مؤسسة أريتي للثقافة والفنون بإشراف الشاعر الدكتور خالد مطاوع متضمناً خمسة وثمانين مقالة نثرية كانت الصورة الفوتوغرافية مصدرها وأساسها للكتابة الوصفية عنها بالتعبير عن عناصرها ووجوه شخصياتها ودلالاتها وبياناتها ومناسباتها كافة، وقد شاركتُ في ذاك الألبوم بمقالة حول صورتين لوالدي رحمه الله أثناء حفل عرسه وليلة زفافه تحت عنوان (الذهاب للمصور مرتين).
وبذلك كانت الصورة الفوتوغرافية في ذاك الألبوم هي مصدر الكتابة النثرية والإلهام التعبيري السردي. وفي المقابل قد يلجأ الكاتب إلى الغوص في وصف المكان أو الحدث بصفة عامة من خلال تقنيات السرد النثري اللغوي فينقل لنا بكل دقة ثنايا تفاصيله، وبذلك فهو يلتقط صورة تعبيرية تشابه اللقطة الفوتوغرافية المتعارف عليها، ولكني في هذا الجانب أخشى أن يترهل السرد وتصبح اللقطة ضيقة عن استيعابه.
وفي هذا السياق تحدثتُ عن تجربتي في الكتابة عن اللوحة التشكيلية فذكرتُ أنها بدأت مبكراً سنة 1980م بجامعة طرابلس حين أعد الناقد الكبير الدكتور (كمال عيد) المسؤول بقسم النشاط الجامعي آنذاك لوحة تشكيلية كبيرة المقاس بعنوان (انطلاقة) تم عرضها بمدخل كلية العلوم وأعلن عن تنظيم مسابقة أدبية للكتابة حولها لجميع طلبة كليات الجامعة في أجناس: الشعر، القصة القصيرة، والمقالة الأدبية، وقد فازت مقالتي بالترتيب الأول على مستوى الجامعة في تلك المسابقة الكبرى.
كما تناولتُ في مقالة مطولة تقنيات ودلالات لوحة الفنان التشكيلي عبدالجواد المغربي التي وضعتها الكاتبة عفاف عبدالمحسن غلافاً لإصدارها (رسائل على قارعة الشوق)، وكذلك كتبت مقالة حول اللوحات التشكيلية التي تصدرت روايات الكاتب محمد التليسي ونشرتها في مقالة بعنوان (وجوه التليسي الأنثوية)، وأيضاً مقالة بعنوان (دلالات باب إلهام) حول إحدى لوحات الفنانة التشكيلية الدكتورة إلهام الفرجاني لأحد أبواب بيوت المدينة القديمة.
وبالنسبة لأغلفة بعض كتبي الصادرة التي تظهر عليها صور فوتوغرافية أو لوحات فنية تشكيلية فقد أشرتُ إلى أن غلاف كتابي (العاشقة الطرابلسية) هو عبارة عن لوحة بورتريه لوجه الأديبة فوزية شلابي خصّني بها مشكوراً الفنان الليبي المقيم في الولايات المتحدة محمد القماطي، بينما غلاف كتابي (من بستان الخضراء) فظهر لوحة تشكيلية رسمتها القاصة/ لمياء بوكيل وهي عبارة عن لوحة صورة متشظية لشخصية الجازية النسائية. أما غلاف كتابي (من وحي القصيد) فهو لوحة تشكيلية للفنان محمد الخروبي اختارها الناشر، وفي هذا الجانب أكدتُ على أهمية دور الناشر في اختيار أغلفة الكتب، والتي تعكس نظرته التسويقية إلى جانب القيمة الفنية والجمالية في جاذبية اقتناء الكتاب، وأشرت إلى أن الناشر سراج سالم سعدون أبان عن رؤية وطنية وفنية مهمة حين أخبرني بأن غايته في تصميم أغلفة إصداراته بلوحات تشكيلية تجمع بين نشر نماذج من اللوحات الفنية الليبية الجميلة والمعبرة، بالإضافة إلى التأكيد على الهوية الوطنية الليبية التي تمثلها بالأساس، وهي رؤية ناشر جديرة بالتقدير والاحترام وبالدعم والتشجيع من الفنانين التشكيليين.
أما كتابتي عن الصورة الفوتوغرافية فقد كانت أثناء عرضي لكتاب (من ذاكرة الزمن) للدكتور عبدالرحمن أبوتوته الصادر سنة 2022م حيث تناولت فيه صورة الغلاف المتمثلة في بير السانية القديم لنكتشف من خلاله سيطرة حالة النوستالجيا وهيمنة الحياة الماضوية على المؤلف منذ العتبة الأولى في غلاف الكتاب حين اختار تلك الصورة التاريخية الماضوية لتشي بأن الدكتور عبدالرحمن بوتوته لم يغادر بيئة عالمه الشخصي القديم بكل ما يحمله بين جوانحه من حنين لذكرياته ومكوناته المادية العمرانية وعبق أنفاسه الوجدانية.
إن التعالق الفني بين الأجناس الأدبية الحديثة صار واضحاً في العديد من الكتابات والأصدارات، كما أن تطور مفهوم الصورة الفوتوغرافية مثلما ذكر الأديب منصور بوشناف في مداخلته نقلها من جمود لقطة مصورة Photo إلى رؤية بصرية تخيلية Image تحتضن العديد من التفاعل الإيجابي مع المتلقي والترابط المتماسك في ثنايا النص السردي.
أخيراً أرى أن هذا التطور البصري والسيميائي على الأوجه كافة يحتاج إلى مزيد الدراسة الدقيقة والحوار والنقاش العلمي المستفيض، وتسليط الضوء على شواهده في حركة الأدب الليبي الحديث نثراً وشعراً ، وهو ما دعاني إلى اقتراح تنظيم ندوة موسعة مستقبلاً يتم الإعداد لها بمتسع من الوقت، تشمل عروضاً ضوئية لنماذج من الصور الفوتوغرافية والسردية النصية وجمالياتها سواء لأغلفة إصدارت تظهر صوراً فوتوغرافية أو لوحات فنية تشكيلية واستعراضها بالنقاش والتحليل، وإلقاء محاضرات لنقاد وأكاديميين، وكذلك مشاركة كتاب ومبدعين لخلق المزيد من التفاعل المعرفي الذي يعول عليه في تطوير النص الأدبي والنقد المواكب له في شتى الأجناس الإبداعية لعله يعوض ما نفتقده من مختبرات للسرد والنقد الذي كنا نتأمل أن تهتم به الجامعات والمؤسسات الأدبية المختصة.
أكرر الشكر على تناول هذا الموضوع المهم والممتع في استعراض مفاهيم التصوير الفوتوغرافي وجمالياته في السرد الأدبي وعلى أمل أن نرى المقترح الذي تقدمت به واقعاً نشهده ونتفاعل معه حين تتهيأ الظروف لتنظيمه.
الأربعاء الموافق 16 أبريل 2025م














