بقلم :: د :: عابد الفيتوري
عندما لا تتوائم مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل ، ينتهى المطاف بخريجي الجامعات الى العطالة او البطالة المقنعة ، هكذا يروج دائما لحالة ترهل وعجز مؤسسات الدولة عن ايجاد مواطن شغل لأبناء الوطن ممن وهبوا اعمارهم وكرسوا جهدهم لينهلوا من معين المعرفة عبر رحلة طويلة ، وتسلق لسلم تعليمي مترهل .
ورغم الاقرار المتكرر بحالة التردي في مقابل تحري الاسباب ، لا يبدو في الافق وجود الرغبة في حلحلة العلة الكامنة في تلك البيئة الراكدة بالجامعات ، مكمن الداء والمسئول الاول عن اصطفاف كل هذه الطوابير من الخرجين الباحثين عن العمل . والتي هي في تزايد وتراكم مستمر دون وجود الفرصة لاستيعابهم بدوائر ومؤسسات المجتمع .
المريب في الأمر اننا في الوقت الذي نعاني فيه من تدني مستوى الرعاية الصحية بالمستشفيات العامة ، بل والخاصة ، لا يجد خريجي كليات الطب فرصة الانخراط بها ، وكذا خريجي الهندسة المدنية – على سبيل المثال – .. ولا تسل عن خريجي العلوم الانسانية ، كعلم الاجتماع ، والخدمة الاجتماعية ، والتاريخ ، والجغرافيا ، والمكتبات.
علم الاجتماع – على سبيل المثال – يعده البعض ضمن حقول المعرفة المعيارية التي لا ترقى الى وصفه بـ ” العلم ” .. وان ” اميل دوركايم ” في كتابه ” قواعد المنهج في علم الاجتماع ” اول من سعى الى تأسيس هذا الضرب المعرفي والارتقاء به الى وصف العلم .. في محاولة منه لإخضاع مباحثه لمنهج العلوم التجريبية الدقيقة وأدواتها التي تعتمد الملاحظة والتجربة واختبار الفروض وتعضيدها ، سبيلا للتحقق العلمي .. اذ يسري اعتقاد بأن كل شخص من الجمهور يتبع شبيهه المجاور له .. والحشد الكبير يجرف الفرد معه مثلما يجرف السيل الحجارة المنفردة التي تعترض طريقه .. ايا تكن طبقته الاجتماعية او ثقافته .. فالجماهير تتحرك بشكل لا واعي .. وهي محافظة بطبيعتها .. وعلى الرغم من تظاهراتها الثورية ، فهي تعيد في نهاية المطاف ما كانت قلبته او دمرته .. ذلك ان الماضي اقوى لديها من الحاضر بكثير . وهي – بتعبير غوستاف لوبون – بحاجة لأن تخضع لقيادة محرك ، وهو لا يقنعها بالمحاجات العقلانية والمنطقية ، وإنما يفرض نفسه عليها بواسطة القوة . الجماهير تقنع بالشعارات الحماسية والأوامر المفروضة من فوق .. والقائد يتحسس في اعماق الشعب العداء الموروث .. لكن الارتقاء بالحقل المعرفي الى مصاف العلوم التجريبية ، لم يمنح خريجيه فرصة عمل .
القصد من التقديم اعادة النظر في هذه الاعداد .. او الالاف المؤلفة التي يتم قبولها بأقسام لا علاقة لمخرجاتها بسوق العمل .. وطرح الموضوع كقضية للنقاش .. مع اطلالة عام دراسي جديد .