مرضى يحتجزون في المستشفيات الخارجية.
السرطان يستشري في ليبيا.. والدولة تتهاون في توفير العلاج
دراسة أممية : ليبيا تسجل (6077) إصابة سنوياً.
تقرير : بية خويطر
يُقاسي معظم مرضى السرطان في ليبيا ،من قلة توفر العلاج ” الكيماوي”، و في حال توفره تكون أسعاره باهظة الثمن ليس بمقدور الجميع شرائه في ظل دراسة أممية تؤكد أن ليبيا تسجل سنوياً (6077) إصابة .
ويطالب المرضى وعائلاتهم الحكومة، بتوفير العلاج للجميع دون محاباة طرف على حساب الآخر، ورفد المؤسسات الطبية بالأجهزة والمعدات، للحد من السفر إلى الخارج، إلى جانب إجراء دراسات وأبحاث حول المرض.
رحلة علاج مريرة
يقول محمد مفتاح:” تراجعت صحتي في الآونة الأخيرة، ولم يتم تحديد مشكلتي من قبل أطباء المسالك البولية في مدينة سبها بشكل دقيق لطالما تم تشخيصي على أنها التهابات بالمسالك البولية، وكان الأمر يسوء في كل مرة ، وأصبح الوجع أشبه بالحرق، حينها قررت الذهاب للعلاج خارج مدينة سبها، وتوجهت على الفور إلى مدينة سرت حيث تابع حالتي الأخصائي عمران أبو رقيقة”.
وأضاف:” فور وصولي للمستشفى تم إجراء كافة الفحوصات والتحاليل وعلى ضوئها تم تشخيصي كمريض سرطان، لم يكن الأمر هيناً ونزل الخبر كالصاعقة ،تحطمت نفسيتي ورفضت العلاج في أول الأمر، وبعد محاولات عدة من العائلة بدأت رحلة العلاج المريرة، وتم استئصال البروستاتا داخل مستشفى بن سينا التعليمي”.
وتابع: توالت الصعوبات بخصوص الجرعات الكيمياوية، وعدم الحصول عليها بسهولة، ولهذا اضطررت للسفر شهرياً للعاصمة للحصول على الجرعات المطلوبة، والكثير من الأحيان لا أتمكن من أخذها في الوقت المحدد، بسبب النقص الحاد من المراكز العامة، الأمر الذي أدى إلى تطور المرض لدي. “
فيما قالت أمل القذافي :”عانت شقيقتي خلال صراعها مع سرطان الثدي لمدة أربع سنوات وخاصة في ظل نقص أدوية العلاج الكيمياوي بالمراكز العلاجية التابعة للدولة وانعدام مراكز الأشعة المتطورة، كل تلك الصعوبات التي واجهتها خلال رحلتها المرضية ساعدت في تفاقم المرض لديها وسرعان ما انتشر في أنحاء الجسم وخاصة عند تأخر الحصول على الجرعة المجانية، واضطرار العائلة إلى جلبها بأسعار تتخطى حدود المعقول ،وبعض الأحيان نعجز عن دفع ثمنها الباهظ وحينها انتصر المرض وماتت أختي تاركة أطفالها دون مأوى بعد بيع كل ممتلكاتها لغرض العلاج، وكل هذا والحكومة المتناحرة على السلطة لا تبالي”
و تتحدث هاجر مريضة سرطان عن حالتها بالقول:” اكتشفت المرض في مراحله المبكرة جداً الأمر الذي ساعد في الشفاء خلال رحلة علاجية استمرت لمدة سنه وستة أشهر، حيث تلقيت العلاج بدولة مصر على الحساب الشخصي للعائلة بعد خذلان الدولة لنا وعدم الموافقة على تبني علاجي”.
وقال محمد الورفلي:” ظهرت علامات المرض على زوجتي بعد أن كان في مراحله المتقدمة جداً ، أبلغني الطبيب فور إجراء الفحوصات أنه من الضروري جداً التوجه إلى أقرب مركز لعلاج الأورام لتتلقى أولى الجرعات الكيماوية، وبالفعل توجهت إلى مدينة مصراتة، ولسوء الحظ لم تكن الجرعة المطلوبة حينذاك متوفرة، ظلت زوجتي تعاني الألم واللص الصامت يتمكن من الانتشار ، إلى أن تحصلنا على أولى الجرعات المجانية، وبعد21 يوماً جاء موعد الجرعة الثانية ، وكالعادة غير متوفرة اضطرت إلى شرائها من أولئك تجار الـأزمات وأصحاب القلوب المتحجرة بمبلغ وقدره 6000 دينار ليبي ، ناهيك عن المسكنات وباقي الأدوية باهظة الثمن .
وأشار إلى محاولة السفر بزوجته، لتلقي العلاج بالخارج على حساب الدولة ،وفي كل مرة يتم رفض الطلب.
وقال:” وازداد الوضع الصحي سوءا بسبب المضايقات المالية الأمر الذي جعلنا نتأخر في شراء الجرعات وبعض الأدوية ولكن المرض لم يمهلنا كثيرا لتودعنا زوجتي وترحل بصمت”.
وتساءل: لماذا كل هذا الإهمال المتعمد من قبل الدولة؟ ولماذا تلقى ملفات المرضى في حاوية القمامة، في حين يتم قبول من لديهم معارف قوية وتدخل الواسطة والمحسوبية حتى في القضايا الإنسانية ليتم سفر ممن لا يستحقون وأصحاب التقارير المزورة.
ديون متراكمة
وتضيف أماني حامد “أصيبت والدتي بسرطان الرئة حيث تم أخذ العينة بمدينة مصراتة، وأرسلت للمعامل المختصة بتحاليل الأمراض الخبيثة خارج الدولة وظلت لأكثر من ثلاثين يوماً لم تظهر النتائج، لهذا السبب تطورت مراحل المرض بسرعة فائقة طيلة الوقت الذي كنا ننتظر فيه نتائج المختبر.
وتابعت:” بعد التأكد من وجود المرض تم نقلها إلى دولة تونس وبدأت رحلة العلاج وفي بداية الأمر لاقينا استحسانا كبيرا من الدولة التونسية وأخذ الجرعات بانتظام، ولكن سرعان ما انقلب الحال وتغيرت المعاملة وقطع العلاج على المرضى بسبب عدم التزام الدولة الليبية بدفع الأقساط الملزمة بها، لهذا السبب اضطررنا لشراء كل ما يلزم من أدوية ومعدات ودفع أقساط المستشفى وزيارة الطبيب والممرضات.
وأشارت إلى مغادرة مرضى ليبيين لمستشفى تونس لعدم قدرتهم المالية على دفع الأقساط بعد تخلف الدولة بدفع القيمة المالية المطلوبة منها.
وقالت وفاء من مدينة العجيلات : إنها تعاني من صعوبة التنقل وقت أخذ الجرعة فإنها تأتي إلى مركز الأورام بسبها ،وأثنت على المجهودات التي يقدمها المركز لتقديم أفضل الخدمات للمرضى ليضاهي مركزي مصراتة وصبراتة للأورام
فيما أشارت أم يوسف إلى أن دولة تونس امتنعت عن تسليم جثمان والدتها لعدم سداد الدولة الليبية الفاتورة حتى تم تجميع المبلغ من أفراد القبيلة.
وحملت أم يوسف وزارة الصحة والحكومتين كافة المسؤولية بفقد والدتها بسبب عدم أخذ العلاج الكافي وإجراء العمليات المطلوبة في الوقت المحدد لها، وإهمال المسؤولين لملف المرضى.
ومن جهتها قالت أم مسرة : “طفلتي مصابة بسرطان الدم، و أصعب شيء قد يمر على الوالدين هو مرض الأطفال ، هل لك أن تتخيل مدى إصابة طفلة صغيرة بهذا المرض الصامت ؟ فكل ما جاء في بالي عند تلقي هذا النبأ هو كيف سيتحمل جسدها الصغير جرعات الكيماوي ؟و كيف لها أن تبدأ رحلة العلاج الطويلة و تصمد أمام هذا الكابوس؟ .
وتقول ندى القطروني:” لاحظت أختي ظهور كتلة متوسطة الحجم في صدرها أثناء فترة الرضاعة انتابها شعور الخوف، وتوجهت حينها إلى الطبيب لإجراء الفحوصات، وبعد الأشعة تم تشخيصها على أنها كيس ليفي متجمع حوله مادة صديدية (خراج) بسبب طريقة الرضاعة الخاطئة ، حيث نصحها أحد أطباء سبها بإجراء عملية جراحية حتى يتم تنظيف الصديد المتجمع حول الكيس وبالفعل أجرت العملية وخرجت من المستشفى بخير.
وتابعت :” وكأي إجراء روتيني تم أخذ عينة من الكتلة والصديد ونقله إلى معامل التحاليل المختصة، وبعد شهر تبين من إجراء التحايل أن الكتلة المستأصلة ورم خبيث، تدهورت الحالة الصحية للمريضة حيث ثم نقلها إلى دولة الأردن وتلقت العلاج وتم استئصال الثدي الأيمن، نجت أختي بأعجوبة وتراجع الورم بعد انتشاره.
ونصحت كافة المرضى عند ظهور أي كتلة غريبة في الجسم عدم التسرع في استئصالها حتى يتم أخذ العينة ضماناً لعدم انتشار الورم في بقية الجسم.
وقالت مبروكة أحمد إن الدولة متهاونة جداً في توفير أدوية الأورام الخبيثة داخل المراكز المختصة، مبينة أنه لم يعد بمقدورهم توفير الجرعة العلاجية التي تقدر ب 1000 دينار ليبي للجرعة الواحدة، ولم يستطع والدهم استكمال الجرعات المطلوبة في ظل غلاء أسعار الدواء، مشيرة إلى أنهم أجبروا على السكن في مدينة مصراتة لمتابعة الحالة الصحية لوالدهم لتضاف لهم مأساة أخرى بدفعهم مبلغ مالي بقيمة 1400 دينار ليبي شهريا مقابل تأجير سكن.
فحوصات دورية
وأكدت الدكتورة سلوى فتحي على ضرورة إجراء الفحوصات الدورية كل ستة أشهر وخاصة فئة النساء للقضاء على سرطان الثدي والعمل على تنظيم جلسات وورش عمل للتعريف بأهمية الكشف المبكر بالإضافة إلى جلسات لتعزيز ثقة النساء المصابات ومعرفة كيفية التعامل مع المرض، مشيرة إلى أهمية زيارة الطبيب النفسي خلال فترة العلاج.
وطالبت بعمل دراسات علمية لمعرفة سبب تزايد وانتشار المرض، وفحص النفايات الدولية التي ترمى في الشواطئ الليبية فمن المحتمل أنها تكون أحد أكبر الأسباب للمرض، وتوجيه الرقابة على الأغذية ومنع دخول المنتجات المصنعة من المواد المحظورة دولياً المسببة للأمراض .
فيما حث الإعلامي عمر الصادق على ضرورة القيام بحملات إعلامية من قبل الناشطين، والمطالبة بتوفير العلاج داخل ليبيا بتجهيز المستشفيات والمعامل والعمل على توطين العلاج وإلغاء فكرة السفر للمرضى.
تقول مريم محمد ” يومياً نسمع عن وفيات و إصابات و هذا الأمر مخيف جدا ، خاصة في ظل غياب دور الجهات المختصة لمتابعة و تحديد أسبابه ، و إجراء بحوث و إعداد دراسات حول الأمر” .
أضافت ” حالياً تعاني إحدى جاراتي من سرطان الثدي و الذي قد أصيبت به للمرة الثانية ، و حالتها متدهورة هذه المرة ، فقبل عشرة أعوام أصيبت به و تلقت العلاج و تم استئصال الورم ، و لكنها تفاجأت بعودته مجدداً ولكنه أكثر حدة من ذي قبل .
ومع ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان باشرت عديد مؤسسات المجتمع المدني والمستشفيات و المراكز في إطلاق حملات توعوية حول السرطان على مدار العام ، و لكن في شهر أكتوبر تنظم المؤسسات حملات توعوية حول سرطان الثدي لتعريف الأشخاص بأهمية الكشف المبكر.
توعية وتثقيف
حيث نظم مركز الأورام حملة التوعية للكشف المبكر لسرطان الثدي، فقد كانت الوجهة الأولى منطقة القلعة بوادي الحياة، حيث كان في استقبال فريق الحملة كل من الإدارة والطاقم الطبي لوحدة الأورام بالمركز الصحي القلعة وكذلك أعيان ووجهاء بلدية بنت بية، هذا وتخلل برنامج الزيارة محاضرة توعوية للسيدات بالمنطقة حول الكشف الذاتي والمبكر
كما قام الفريق بالكشف على بعض الحالات المشتبه بها، وكذلك نظم الفريق محاضرة عن الدعم النفسي للحالات المرضية المصابة، كما قام الأطباء المرافقون للحملة بإعطاء أول جرعة دوائية كيماوية لمريض أورام وذلك لتشجيع الأطقم الطبية المدربة سابقاً إلى حين افتتاح وحدة الأورام لاحقاً.
وواصل الفريق جهوده في التوعية حول السرطان حيث وصل هذه المرة إلى مدينة تراغن، و اسُتقبل الفريق إدارة المستشفى، و كانت الحملة تهدف إلى تعريف السيدات بالمخاطر والمشاكل المترتبة عن الإصابة بسرطان الثدي، وكيفية الوقاية والكشف المبكر.
لم تكن الحملات مقتصرة على المراكز الصحية فقط ، و لكن معظم المؤسسات تتجه للتوعية في أكتوبر الوردي فقد أطلقت هيئة التأمين الطبي فرع سبها بالتعاون مع مركز سبها الطبي قافلة طبية للكشف والفحص المبكر على سرطان الثدي بمستشفى تراغن التعليمي.
وقدمت خلال زيارات القافلة المحاضرة الدكتورة ناجية اعبيد أخصائية أشعة شخصية تداخلية محاضرة توعوية عن سرطان الثدي وطريقة تعليم الفحص الذاتي للسيدة وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن سرطان الثدي والكشف السنوي للسيدات بجهاز الماموغرافي حفاظاً على سلامتهن .
وقدمت الطبيبات عرضا مرئيا لكيفية الكشف الذاتي للسيدة ومتى يكون هذا الكشف وقدم بعدها فيديو توضيحي لجهاز الماموغرافي وآلية عمله ، و صاحب المحاضرة الكشف الطبي بجهاز” الالترا ساوند” للسيدات .
وقام فريق الحملة بتوزيع المطويات وشعار الحملة على السيدات المتواجدات بالممرات وأروقة المستشفى.