محمود السوكنى
من زنقة قوس المفتى بحواري المدينة القديمة بالعاصمة الفيحاء “طرابلس” صدحت الحنجرة الذهبية للبلبل “عبد اللطيف محمد الهوني” أو ما عرف بعد ذلك بالفنان “عبداللطيف حويل” . كان جمهوره مجموعة أطفال الزقاق الذين يتحلقون حوله ويستمعون بشغف لأغاني نجوم الطرب المصرى بصوت البلبل الليبى ، وإذا ما تطلب الأمر شكل بعضهم مجموعة صوتية تردد خلفه مذهب الأغنية . هكذا كانت البداية التى تتستر بالعبث الطفولي وبرائته المسموح بها ، لكن الموهبة الفذة الساكنة جوارح ذلك الطفل الجفراوى لم تكن لترضى أن تعيش أسيرة الزقاق ورهبة الخوف من الغضب الأسرى المعهود ، تسلح الصبى بالشهادة الإبتدائية التى كانت لها قيمتها العلمية في ذلك الوقت وإكتفى بالحصول عليها ليدخل معترك الحياة العملية بدعوى مساعدة الأسرة على تصاريف الحياة وحتى تكون له شخصيته الإعتبارية ليظهر واثق من نفسه يحيى الأفراح التى إقتصرت فى بداياتها على المعارف تم اضحت لازمة ضرورية لكل عرس ، ومن ذاك الذى يقيم عرسأ فى أحياء الفيحاء لا يحييه البلبل “عبداللطيف حويل” الذي كان يبز أقرانه في سهرات فندق سيالة كل ليلة بما حفظ من أغانى ذاع صيتها فى ذلك الزمن وأحسن البلبل تقليد مطربيها الأصليين من عبدالوهاب إلى فريد الأطرش إلى ليلى مراد الذين حفظ أغانيهم من أفلامهم التي تعرض في سينما النصر بسوق الترك . تطور الأمر ووجد الهونى الأصيل نفسه في دهاليز الإذاعة الوليدة عام 1957 صحبة الزملاء محمد أبوقرين ومحمود الشريف وسلام قدرى وتحت إشراف المعلم مكتشف المواهب الموسيقار كاظم نديم الذي أحسن رعايته وأفاض فى الإهتمام بموهبته فصاغ له ألحان شجية لازلنا نرددها بمتعة وشغف ، لم يتوقف ولد الجفرة عند عطاء أساتذة ذلك الزمان بل شجعه الأمر على أن يلحن الكلمات التى تصادفه و تطرب مسامعه ، وبعضها اعطاه لغيره لعل اشهرها أغنية “يصبح عليك الورد” التى أحسن الفنان “نوري كمال” أدائها حتى اصبحت نغمأ صباحيأ لا بد منه لإستقبال يوم جديد . عن نفسي ، إلتقيت البلبل في مطلع الشباب اواخر الستينيات وكنا مجموعة من الصبية نشكل فرقة المالوف والموشحات الأندلسية في نادي المدينة وجىء بالبلبل ليدربنا على جمال الإلقاء فإذ بصوته العذب يأخذنا بعيدا عن النادى وضجيجه لنسرح فى ملكوت النغم وترانيم العشق لهذا الصوت الرخيم
الضاج بالعذوبة والشجن . تم كانت لقاءات متكررة
برعاية إبن العم وصهرى فيما بعد كاتب الأغاني المشهور
الأستاذ محمود السوكنى المعروف بإسم “السيد محمود” والذى ضمّنا دكانه الفسيح فى شارع هايتى وكذلك بيته العامر فى منطقة سيدى خليفة . لقد كان الفنان القدير عبداللطيف حويل ” ذو صوت عذب يأسر الألباب ويجذب الإنتباه وينفذ صداه فى الذاكرة ، هو صوت لا يمكن ان يغيب عن ذاكرة الذائقة السمعية لمن يحسنون التمييز ين الغث والسمين ، ولقد كان للمبادرة الكريمة التى كان ورائها الفنان الأصيل والأستاذ القدير “عبدالباسط أبوقندةﹸ مدير عام الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون بتسمية الدورة الأولى للأغنية بإسم الفنان “عبداللطيف حويل” وتكريمه كما يليق به التكريم ، كان لكل ذلك أثره البالغ فى نفسه حمله معه بكل ود إلى مثواه الأخير ولعلها مناسبة إستغلها للمطالبة بتكريم مبدعينا فى حياتهم قبل مماتهم ، فكل مانفعله بعد رحيلهم لا يصلهم ولا يعنيهم في شيء، ندعو الله أن يغفر لمن متّعنا ووجب علينا شكره والدعاء له بطيب المقام عند الصحبة الأخيار .














