توفيت الكاتبة والطبيبة والناشطة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة، نوال السعداوي، عن عمر يناهز الـ 90 عاما، بحسب وسائل إعلام مصرية.
ونقدم هنا نبذه عن حياة السعداوي الحافلة بالكثير في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص، و بتحدي كثير من التابوات والعادات الاجتماعية والتي تحد من حرية المرأة في العالم العربي، فضلا عن نتاجها الفكري والأدبي الثر.
قالوا لها “أنت امرأة متوحشة وخطيرة”، فكتبت قائلة “أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة”.
إنها الطبيبة المصرية الرائدة والناشطة النسوية والكاتبة نوال السعداوي التي أمضت عقوداً وهي تعبر عن آرائها من خلال رواياتها ومقالاتها وسيرها الذاتية ومحاضراتها.
وكانت صراحتها الشديدة وتفانيها الذي لا يتزعزع في الدفاع عن الحقوق السياسية والجنسية للنساء مصدر إلهام لأجيال.
لكن بسبب جرأتها في التعبير عن آرائها، تعرضت للانتقاد والتهديد بالقتل والاعتقال.
“لقد وُلِدت بروح قتالية”، هكذا قالت عنها الدكتورة أمنية أمين المترجمة وصديقتها لبي بي سي عام 2020.
وأضافت “أمثالها من الناس نادرون”قالوا لها “أنت امرأة متوحشة وخطيرة”.
وُلدت السعداوي في قرية خارج القاهرة عام 1931، وكانت الإبنة الثانية بين تسعة أبناء. وقد كتبت روايتها الأولى في عمر الثلاثة عشرة.
كان والدها موظفاً حكومياً صاحب دخل محدود، بينما كانت والدتها تنتمي لعائلة ثرية.
حاولت أسرتها تزويجها في عمر العاشرة، لكنها حين رفضت، وقفت والدتها في صفها.
شجعها أبواها على التعليم، لكنها -كما كتبت في مؤلفاتها- أدركت منذ سن مبكرة أن البنات كُن يحظين بتقدير أقل من البنين.
ووصفت السعداوي فورة غضبها حين قالت لها جدتها ذات يوم إن “الولد يساوي 15 بنتا. البنات آفة”.
تقول الدكتورة أمين: “لقد رأت أن هناك شيئاً خاطئاً فعبرت عن رأيها دون خوف. لم يكن باستطاعة نوال أن تدير ظهرها”.
ومن بين تجارب طفولتها التي وثقتها السعداوي بوضوح، كان خضوعها لعملية ختان في عمر السادسة.
ووصفت السعداوي في كتابها “الوجه العاري للمرأة العربية” خضوعها للجراحة المؤلمة على أرضية الحمام بينما وقفت والدتها إلى جوارها.
وعلى مدار حياتها، ناضلت السعداوي ضد ختان الإناث، واصفة إياه بأنها أداة لقمع النساء.
وقد تم تجريم عادة ختان الإناث في مصر عام 2008، بينما أدانت السعداوي استمرار انتشارها.
تخرجت السعداوي من كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1955 وعملت كطبيبة، ثم تخصصت في الطب النفسي.
وفقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها “المرأة والجنس” الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة المعروف باسم الختان، وقمع النساء.
كما أُغلقت في عام 1973 مجلة الصحة التي أسستها قبل ذلك بسنوات. غير أنها لم تتوقف عن التعبير عن آرائها.
وفي عام 1975 نشرت رواية “امرأة عند نقطة الصفر” المستوحاة من قصة حقيقة لإمراة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام.
وعام 1977 نشرت روايتها “الوجه العاري للمرأة العربية” والتي وثقت خلالها تجاربها إذ كانت شاهدةً على جرائم اعتداء جنسي و”جرائم شرف” ودعارة خلال عملها كطبيبة في إحدى القرى.
وقد أثارت الرواية حالة من الغضب، واتهمها النقاد بتعزيز الصور النمطية للمرأة العربية.
ثم في سبتمبر/ أيلول 1981 أودعت السعداوي السجن ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس المصري آنذاك أنور السادات. وحينها كتبت مذكراتها باستخدام مناشف ورقية وقلم لرسم الحواجب هربته إليها عاملة جنس سجينة.
تقول الدكتورة أمين “فعلت أشياء لم يجرؤ أحد على القيام بها، لكنها كانت أموراً عادية بالنسبة لها”.
“لم تكن تفكر في كسر القواعد أو الضوابط، وإنما في أن تقول الحقيقة”.
وبعد اغتيال السادات أُطلق سراح السعداوي، لكن نشاطها خضع للرقابة وحُظرت كتبها.
وخلال السنوات التالية، تلقت تهديدات بالقتل من جانب أصوليين، كما رُفعت ضدها دعاوي قضائية، لتضطر في نهاية المطاف إلى العيش في منفى بالولايات المتحدة.
وهناك واصلت هجماتها ضد الدين والاستعمار و ما وصفته بالنفاق الغربي.
وشنت حملة ضد ارتداء الحجاب، لكنها هاجمت في الوقت نفسه استخدام مساحيق التجميل والملابس الكاشفة، مما أثار غضب زميلاتها من الناشطات النسويات.
وحين سألتها مذيعة بي بي سي زينب بدوي في حوار أجرته عام 2018 عن إمكانية تخفيفها حدة انتقاداتها، أجابت السعداوي قائلة “كلا. يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم”.
وأضافت “أتحدث بصوت عالٍ لأنني غاضبة”.
وبجانب ما أثارته من غضب، نالت السعداوي اعترافاً عالمياً واسعا، وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة.
تقول خديجة سيساي المؤلفة والناشرة البريطانية التي عملت وكيلة لها في لندن “أعي تماماً أن الناس لا يتفقون دوماً مع آرائها السياسية، لكن أكثر ما كان يلهمني بشأنها هو كتاباتها وما حققته وما مثله ذلك بالنسبة للنساء”.
وتضيف “إذا كنت امرأة أفريقية أو امرأة ملونة، ستتأثرين بأعمالها”.
ونالت السعداوي درجات شرفية عدة من جامعات مختلفة حول العالم. وفي عام 2020 أدرجتها مجلة التايمز الأمريكية ضمن قائمة أكثر 100 امرأة تأثيراً، وخصصت غلافها الخارجي لصورتها.
لكن شيئاً واحداً ظل بعيد المنال. “كان حلمها أو أملها الوحيد يتمثل في بعض الاعتراف داخل مصر”، كما تقول الدكتورة أمين.
“تقول إنها نالت التكريم في جميع أنحاء العالم، لكنها لم تتلق أي تكريم في بلدها”
عادت السعداوي إلى وطنها مصر عام 1996، ثم سرعان ما أثارت ضجة في البلاد.
وترشحت في الانتخابات الرئاسية عام 2004 ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.
أمضت السعداوي سنواتها الأخيرة في القاهرة إلى جانب ابنها وابنتها”. “لقد مرت بالكثير. وأثرت على أجيال” كما تقول الدكتورة أمين.
وتضيف “الشباب يبحثون عن مثل أعلى. وهي تمثل قدوة لهم”.
وتشيد خديجة سيساي بما كانت تظهره الكاتبة الراحلة من إصرار على الاستماع لقصص النساء الأخريات والتحدث إليها عن تجاربهن القاسية.
وتقول “لا أعرف الكثيرين -خاصة عندما يكونوا معروفين- ممن يتمتعون بهذا القدر من العطاء. إنها لم تكن تسعى للظهور بصورة بطلة، بل كانت تقول للمرأة: كوني البطلة بالنسبة لنفسك”.
المصدر bbc