كتبت / شَهَد الحَجَارِي
لَطَالما فكرت أن أتوقف عن تناول السكر، لأسباب صحية عموما، أنا التي كنت عادة أُفرِط في تناوله أكثر من أي شيء آخر. في البداية بَدت الفكرة بالنسبة لي مستحيلة ،ثم مع اقتراب موعد الحمية الغذائية التي قررت اتباعها ،بدأت أقنع نفسي أن الأمر ممكن، وليس مستحيلا كما أراه. أول يوم كان العشرون من أكتوبر ،كانت قهوتي تستوي على نار هادئة كالعادة، الكثير من الحليب والقليل من البن ” الممتاز “، أول رشفة استطعمتها بكل حواسي ،كانت ” خالدة” حقيقة أنا لا أبالغ . فكرت في زيف السكر و كيف أنه يخفي حقيقة الطعم الأصلي لكل شيء ،وخُيّل لي أني انخدعت خلال السنوات ال٢٠ الماضية من عمري، كان طعم الأشياء متشابها، بل وحده السكر من كنت أعرف طعمه الخادع… كنت أعرف الفرق بين طعم الشاي و لذة القهوة، لكن الإحساس كان مغلّفا ،ضائعا، كتلك السنوات التي أسميتها ” السنوات الزهرية “… شيء ما في تلك الليلة القمراء من مساء ذات اليوم، ذكّرني بحب قديم كنت قد خضت خلاله ما يشبه الحرب دفاعا عن مفاهيمي، و مع هذا وجدتني سعيدة أحيانا أو أتظاهر بالسعادة رغم تعاستي وضيق أفقي حينها … انقطع حبل أفكاري للحظات ،ثم عاد للسكر من جديد هل يمكن أن يكون للسكر علاقة بالنضج؟ ربما.! و ربما يكون له علاقة بالتجارب التي تقود إلى النضج… على كل حال، أنا لا أعلم كيف ربطت بين السكر و النضج، لكن شيئا ما يُشعرني أن نضجي أنا على وجه الخصوص، له علاقة مباشرة بالسكر…ففي السنوات الزهرية، كنت أرى أن المفهومين متطابقان، وازداد هذا اليقين مع انتهاء سنوات السكر، فكما كان السكر هو الطعم المستساغ، كان ذلك الحب العقيم كذلك، أما الآن، فقد أيقنت أن الحب يحجب الكثير من طقوس الحياة كما يحجب السكر طعمات الأشياء، و يحرمنا من التلذذ بها أحيانا، لأنه يضعها في ميزان واحد، أي يجعلها بنكهات متشابهة، أو بالأصح متطابقة… السكر أو الحب كلاهما وجهان لعملة واحدة ،مساوئهما لا تعد و محاسنهما لحظية، المؤكد أنهما عدو النضج! يصبغان الحياة بالوردي ،ليُهيئ للإنسان أن هذه هي الحياة…تبا!! النضج يحتاج تحررا…يحتاج تحديا…يحتاج السقوط و النهوض أكثر من مرة… النضج يجعلنا نفرز ألوان الأشياء من حولنا، ونقلص مساحة الوردي ،ليبقى فقط في إحدى زوايا القلب، في صندوق أسود بشفرة منسية…