محمود السوكني
في جلسة حوارية مع تلة من الأصدقاء ، باغثني أحدهم بسؤال الصدمة : لمن تكتب ؟!
وقبل أن أجيب رد أخر : إنه يمارس هواية ولاينتظر رداً على ما يكتب؟!
ورغم أنني لست مقتنعا بهذه الإجابة ولكنني أجد فيها السلوى وبعض راحة البال فالكاتب يبحث عن صدی لكلماته ، ويهمه أن يعرف ردود فعل ما ينشر وإلا فلا حاجة له لإضاعة الوقت فيما لايجدي نفعاً ولا يغير حالاً ولايُحدِثُ فرقاً مهما كان حجم تأثيره !
الكتابة ليست ترفاً ، ولاهي ضرباً من اللهو والعبث وسد أوقات الفراغ ، هي أبعد من ذلك وأخطر وإذا تحولت إلى مساحة للتنفيس أو أداة لرصد إتجاهات ممارسيها ومعرفة توجهاتهم فتركها يكون أجدر لمن يحترمون أنفسهم ، والإبتعاد عنها يضحى واجباً لمن بقي في وجوههم حياء وبعض الكرامة ممن يقدسون مهنة الحرف ويدركون سمو مكانته !
نحن نمارس هذه الهواية ليس طمعاً في جاه أو إستجداء لمنصب أو بحثاً عن الشهرة ولكننا ننشد تبيان الحقيقة ونسعى للمساهمة الجادة في صنع الغد الذي نحلم به ونتوق إليه ، وعندما نطرح امرأ ما أو نتناول قضية نعتقد في أهميتها فإننا نطمح في أن نجد أذاناً صاغية تستمع إلى ما نقول ، وعقولاً متقدة تقرأ ما نسطر بعناية فائقة لتعي حقيقة ماذهبنا إليه وتدرسه من كافة الأوجه ثم يكون رد الفعل الذي يلتقي معنا فيما يخدم الصالح العام ولاشيء غيره !
لانريد من يصفق لنا ، بل من يحاورنا ، لاتشغلنا عبارات المديح ولكن يهمنا من يؤكد أو ينفي أو يصحح ماذهبنا إليه ، نحن نخاطب عقلاً واعياً مستنيراً تشغله بقضایانا المشتركة .
نكتب للقارئ الذي يتكرم علينا بمطالعة ما نخطه ويستوعبه ويتفاعل معه ويحدد موقفا منه .
لم تسخر هذه الصفحات للتفتيش عما بداخلنا ولكنها جعلت لطرح ما يشغلنا جميعا لنتدبر في تفاصيله ونناقش خباياه ونسلط الضوء عما صعب علينا فهمه لهذا نكتب ولهذا نبحث وننقب ونجهد الذهن ونعصر الذاكرة ونلتمس الحقيقة وحدها لنكشف جوانبها ونزيل العقبات عن طريقها .
و… لهذا نستاء من تجاهلنا ونغضب لهذا الموقف السلبي من كتاباتنا !!
فيا أيها القارئ الكريم إن كنت مسؤولاً فالواجب الوظيفي يحتم عليك مجادلتنا فيما يخصك وما كُلِّفت به ، فإما أن تنفيه أو تؤكده أو تضيف ماغاب علينا أو فاتنا من معلومات خدمة للحقيقة وتوضيحاً وإن کنت متابعاً مهتماً بما يطرح فأنت مطالب بحسك الوطني أن تدلنا إلى الصواب حتى لا نتمادى في الخطأ !
تلك هي الخدمة الإعلامية الواعية التي تحقق الغرض من إنشائها وتؤدی المهمة الوطنية من تأسيسها ، أما إذا استمرت على الحال التي هي عليه الآن صفحات تسود ومطابع تدار وصحف تتداولها الأيدي لتستخدم في نهاية الأمر لأغراض لا علاقة لها بدواعي إصدارها فذلك يعد عبثا لاطائل من ورائه ولاحاجة لاستمراره وهو أدعى إلى اقفالها وإلغاء تراخيصها وتسريح محرريها !!
لست متشائما ولكنني أرصد واقعاً مراً واليماً يمنعني واجبي عن التستر عليه وإخفاؤه ولا أجد القدرة على إغفاله فكم كتبت في شأن من شؤون الوطن وكم كتب غيري واعاد وكرر ولا من مجيب وكأننا نخاطب أشخاصاً هلاميين لاوجود لهم !!
فهل هذه هي الصحافة التي نسعى لتأسيسها ؟ هل هذا هو الإعلام الذي نعمل على إرساء قواعده ؟!
أقول لكل من أتشرف بمتابعته لما أكتب لست أمارس هواية ولكنني أؤدي واجبا أعتقد في اهميته وأطمح في أن يجد الصدى الذي قد يستحقه !