بقلم :: عبد المنعم الجهيمي
يتحدث الجميع مؤخرا عن التقدم والمحاصرة والاقتحام والسيطرة على قاعدة تمنهنت الجوية، ففي غفلة من الزمن صارت القاعدة محور اهتمام ومتابعة العديد من الوكالات الاخبارية، وسط هذا الازدحام لايعلم الكثير من أهل الجنوب سر ذلك الاهتمام.
على الأرض لاوجود لتلك الحدة والسخونة في الاحداث، فالأرتال العسكرية تتحرك هنا وهناك وتغير أماكنها وتموضعات أفرادها بسلاسة وانسجام غريبين، يرافق هذه التغييرات شبه” السلمية” تصريحات حربية وخطابات نارية وإعلان لإغلاق مناطق وافتتاح أخرى، ويتفق الجميع في تصريحاتهم حول الحرص على سلامة المدنيين الذين لايعلمون حقيقة مايحدث او ما يراد له أن يحدث.
في الجنوب وبالأخص سبها لاوجود لإنتماءات سياسية واضحة أو إيدلوجيات، وجلّ الموجود هو صور مكررة عن اتجاهات وايدلوجيات الشمال شرقا وغربا، فحروب ومشاكل وأزمات المدينة كانت لأسباب شديدة المحلية، فهي إما صراعات قبلية حول النفوذ هنا وهناك، أو صراعات العصابات والمسلحين على تحديد مناطق عمل كل منهم، وبالطبع حتى تكسب هذه الصراعات شيئا من “الشرعية” وبالتالي التعاطف؛ تلبس أثواب السياسة والإنتماءات السياسية شرقا وغربا.
منذ اكثر من ثلاث سنوات ومدينة سبها ترزح تحت وطأة ارتفاع معدلات الجريمة، وتحكمها سيارات معتمة الزجاج، لم يردعها عن عملها تلك الأجهزة الأمنية والكتائب التي تملأ المقرات الحكومية والخاصة، ومع ذلك الوضع السئ لم نشهد تحرك أي من الحكومات المتعاقبة لمعالجة هذا الوضع أو الحد من آثاره السيئة التي طالت جميع مناحي الحياة العامة في المدينة.
نظرة عامة على السنة الماضية تنبئك عن المدينة التي عاشت حروبا عنيفة أكلت زهرة شباب المدينة، وجرائم بشعة وارتفاع حدة و شناعة نلك الجرائم، يعقب كل ذلك الإستيلاء على المقرات والمباني الحكومية من قبل الكتائب بدعوى الحماية والتأمين.
هذا المشهد السبهاوي شديد المحلية والخصوصية، تحاول الاطراف السياسية المتحاربة أن تلبسه ثوبا ليس له، فقد اصبحت المدينة بقدرة قادر متطرفة في آراءها السياسية وإنتماءات وولاءاتها، تقودها حفنة من قيادات المدينة بعيدا عن مواطنيها.
يظهر ذلك جليا عند حديثك مع أي مواطن يسعى لتأمين قوت يومه، فهو لا يهتم بانتصار طرف معين على الاخر أو بهزيمته، إلا بقدر ما سيؤثر هذا الانتصار أو الهزيمة على تدفق الوقود والغاز والمواد الغذائية التي صار الحفاظ عليها هاجسه الوحيد.
ما يعلمه ويدركه سكان المدينة جيدا أن مدينتهم تعيش على الوقود والغاز والغذاء القادم من الشمال، و هذه الضرورات صارت بعد العام2011 مرهونة بأمزجة الساسة وكبار التجار، فعندما لا يرضى أحد المتنفذين بالشمال عن الجنوب ستنقطع تلقائيا تلك الامدادات، وحدث هذا مرات عديدة، متسببا في وقوع أزمات إنسانية في كامل الجنوب.
يظهر هذا “الوعي”في ضعف المشاركة الشعبية في المظاهرات المؤيدة لأطراف النزاع الواقع في الجنوب، فكلا الطرفين لا يقدر على تحشيد شعبي يسوّق لرؤيته، تتعدد الأسباب ولكنها تعود في مجملها جميعا إلى وجود إدراك شبه جمعي (في نظري) بعدم جدوى الغرق في تأييد أحد الأطراف، فيكتفي الغالبية بمشاهدة حروب الكر و الفر التلفزيونية وإنتظار ما سينتج عنها.
بذلك كان عامة الناس في سبها أكثر حكمة من نخبها السياسية التي تغرق حسب مصالحها في تأييد طرفي النزاع، و لا تتورع عن إدخال المدينة والجنوب في حرب بالوكالة لا ناقة له فيها ولا جمل.
قد يسألني أحدكم عن الحل؟، ولكن اعتقد أن الحل ليس بأيدينا نحن كمواطنين، فقد صرنا فعلا خارج دائرة الفعل، و ليس أمامنا إلا الإنتظار وحسب، و الاستمتاع بالحرب التلفزيونية التي لا تتكرر دوما في سبها، التي نالت مايكفيها من نزاعات وحروب حقيقية بين أهلها.