بقلم :: انتصار بوراوى
تقف الدبابة بمفترق طريق شارعهم وتقذف وابل جحيمها ، على المنطقة المقابلة وتحوم الطأئرة الحربية فوق الاجواء..فتهتز المنطقة من اثر وقوع قذائفها علي الارض
الجو ملبد بسحائب الحرب فيما قيظ الصيف ببدا اول تجلياته ،انقضى فصلي الشتاء والربيع ولم تنتهي الحرب ،ودخل صيف جديد ولازالت الحرب ونارها ودخانها المحلق إلي السماء تغطي مناطق المدينة التي هجرها سكانها وتركوها ملتهبة بنار الحرب
تتأمل حركة الشارع والناس في المناطق البعيده قليلا عن مناطق الاشتباكات ، تزدحم الشوارع بحركة السيارات المتراصة ،فيما تحدق من خلف زجاج السيارة بوجوه المارة المثقلة بالترقب ،تتأمل وجوه الأطفال الذين يلعبون بلهو الطفولة أمام المدرسة التي أتخذها أهلهم ملجا ومنجا لهم من ضراوة الحرب التي أكتسحت مناطقهم ، تناغش قلبها ضحكاتهم الندية المتناقضة مع الحزن المختبي في عيونهم .
تعود من مهمتها متعبة محتاجة لفنجان قهوة وهدوء من ضجيح الشارع ولكن الدبابة تعود الي عزف سيمفونيتها المعتادة.
تلوح بشال تأملاتها علي رابية مدينتها الجامحة التي تكتب تاريخها من جديد بحبر الدم والدموع وتعيش بعيون مفتوحة مترقبة أنتهاء غبار الحرب التي طال أمدها ،يلوح الأمل بنهاية الحرب عند كل موجة أشتباكات عنيفة ،تبدو وكأنها ترسم راية النصر والنهاية ولكن سرعان مايعقب صخب سعير المعركة هدوء مريب، لا يقطعه الا صوت الاسعاف الذي لا يتوقف لساعات طويلة ،في اشارة علي شراسة المعركة و كثرة الخسائر البشرية من الجرحي والقتلي ،وتتسربل المدينة بالصمت كما لو ان الطرفان يلملمان خسائرهم وجرحاهم ويدفنون موتاهم ليعيدوا الكرة من جديد بعد ايام من الهدوء والصمت .
ثمن باهظ تدفعه مدينتها في حربها الضروس، كي تخلع عنها كفن الموت والسواد فيصلها أصوات الزغاريد القادمة من بيت الجيران، المحتفلين بزفاف إبزفاف أناطق الأشتباكات إلي بيت حدي بنات العائلة النازحة من مناطق الأشتباكات إلي بيتهم ،ويلعلع صوت شريط التسجيل للمغنيات الشعبيات في شادر النساء فيما تطلق السيارات مزامير الأبتهاج ليعانق الفرح صهيل الحياة من وسط مدينة تتراقص صواريخ الغراد والهاون علي أطرافها وفي وسطها تنصب خيام الأفراح أمام البيوت، لترقص النساء رقصتهن البنغازية المعانقة للحياة
تتأمل مايحدث امامها وتجتاحها مشاعر مختلطة ،كل هذا التشبث النسائي بالحياة والرقصات التى تتباري فيها النساء ، تبدو كأنها تحمل روح الحياة ،روح بنغازي القوية الشرسة المتشبثة بالحياة ،في أوج سعير الحرب وضرواتها الحب يكتب حكايته بالمدينة كما تكتبه الحرب ،وتزف العروس الي عريسها بعد قصة حب شرسة كالحرب كادت تختم بالدموع والفراق
النساء أيقونة الحياة ووهجها ودفئها يرسمن الوان الحياة بالمدينة التي تحارب غلالة السواد و الموت وتهزمه كل يوم ،تتعالي الزغاريد ،تتعالي صوت سيارات الأسعاف ،يتعالي صوت مزامير سيارات العرس ،يتعالي صوت قصف الطيران،نظرة حب تطل من عيون رجل ررجل يرمق خطواتها فيما تستذكر الوجه الذي أحبته في زمن فارط ، وهدايا كتبه من الدوواين والروايات ،تتذكر مناقشتهما لحالة الحب بين بطل و بطلة رواية تولستوى فى(الحرب والسلام )التي جعلتها تتسمر بالدهشة والأنبهار ، وجه بطلة الرواية تلوح خلف غبار الذكريات ، وجهه الغابر ،ظلال الذكريات وطعم الحب الذي حلق بها الي سابع سماء ولم تعود بعدها كما كانت ،صوت الضحكات والجدالات السياسية والثقافية المنهمرة من شفتيه ،تراتيل القصائد ا لشعرية المهجوس بها،صوته الذي لا شبيه له في الكون ،واخر كلماتهالطيران،نظرة حب تطل من عيون رىا التى كتبتها له قبل رحيله : اننا لا نقول وداعا لمن يعيشون بداخلنا .
يتزاوج البشر من حولها ،ويتناسلون وينجبون الذكور والأناث ،غير عابئين بنهاية الحرب أو أستمرارها ،وكأن فعل الحب والرغبة في الأنجاب هو رد منهم علي الموت و الحرب ومحاولة للانتصار على الموت المترصد بهم في كل زاوية ، فيما هي تقف علي عتبة الذكري,لاشىء تنتظره سوى صوت زغاريد نهاية الحرب وزفاف مدينتها إلى السلام