المستشارة القانونية : فاطمة درباش
ومفهوم سيادة القانون راسخ في ميثاق الأمم المتحدة ، وتنص ديباجة الميثاق على أنه كأحد أهداف الأمم المتحدة “أن تبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي”.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمثل أحد المقاصد الأساسية للأمم المتحدة في “أن تتذرع بالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم، أو لتسويتها “والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948،وتحتل أيضا سيادة القانون مكانة بارزة فيه ، وينص على أنه “… من الضروري أن تتمتع حقوق الإنسان بحماية سيادة القانون إذا أريد للبشر ألا يضطروا آخر الأمر إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد …”.
فسيادة القانون تتمثل في سلطة القانون وتأثيره على المجتمع، وخاصةً عندما يُنظر إليه على أنه قيد على السلوك الفردي والمؤسساتي، إنه المبدأ الذي بموجبه يخضع جميع أعضاء المجتمع على قدم المساواة للقوانين والعمليات القانونية التي يُكشف عنها علنًا،واعتُبرت سيادة القانون أحد الأبعاد الرئيسية التي تحدد جودة إدارة البلد وحسنها. فعرّفت الأبحاث -مثل مؤشرات الحوكمة العالمية- مصطلح سيادة القانون على النحو التالي: «هو مدى ثقة العملاء والتزامهم بقوانين المجتمع، لا سيما جودة إنفاذ العقود والشرطة والمحاكم، فضلًا عن احتمال مظاهر الجريمة أو العنف».
ويتجلى الفرق بين سيادة الدولة وسيادة القانون في أن السيادة هي قُدرة الدولة على ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي بحرّية من غير تدخّلٍ من أحدٍ. أما الاستقلال فيكون بالتخلص من السيطرة الأجنبية، وأن لا تكون الدولة خاضعة لأي سلطة أخرى. أما سيادة القانون فيها تكون بتطبيق القوانين على جميع المواطنين بغضّ النظر عن المستوى المعيشي والاجتماعي لهم.
وتمارس الدولة سيادتها من خلال تطبيق القانون بأن تشترك الحكومة وأجهزة الدولة كافة في حمل مسؤولية ما تتخذه من قرارات وسياسات وإجراءات، فمؤسسة البرلمان تمارس دورها في التشريع والرقابة، والقضاء المستقل النزيه والأجهزة الأمنية مناط بها تطبيق القانون، ليطمئن المواطن بأنه يستظل بسيادة القانون الذي يحميه ويحمي أبناءه دون تمييز أينما كان وعلى أي جزء من أجزاء بلاده.
إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة تقع على عاتق الدولة. ولكن في الوقت نفسه، يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية، فإن غياب سيادة القانون والتطبيق العادل له كان عاملا رئيسيا في الوصول إلى الحالة التي نشهدها من مشاهد مؤلمة كالموت بسبب حمل السلاح وإطلاق الأعيرة النارية بمناسبة ودون مناسبة يكون ضحاياها أطفال وشباب وكبار السن ، فمبدأ سيادة القانون هو خضوع الجميع، أفراداً ومؤسسات وسلطات، لحكم القانون.
إن كل فرد يقبل ويتبنى مبدأ سيادة القانون من الناحية النظرية، ولكن البعض يظنون أنهم الاستثناء الوحيد الذي يُعفى من تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع. بغض النظر عن المكانة أو الرتبة أو العائلة، فإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يمارس بانتقائية، إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء، وبخاصة المسؤولين والجهات المسؤولة فلا مكان للإصلاح دون تبني هذا المبدأ وتطبيقه والالتزام به.
ولضمان سيادة القانون، لا بد من وجود آليات رقابة فعّالة متمثلة بأجهزة الحكومة الرقابية كوحدات الرقابة الداخلية في الوزارات والمؤسسات، وديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، وبالبرلمان ودوره الرقابي ، والمؤسسات الوطنية للحقوق ، وجهاز القضاء، والمحكمة الدستورية، كما أن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ إلا بوجود جهاز قضائي كفؤ ونزيه وفاعل؛ فالمواطن يلجأ إلى القضاء لثقته بقدرة هذا الجهاز على إنصافه والحصول على حقوقه كاملةً.
فسيادة القانون أساس الدولة المدنية.