شباب الجنوب بين تطلعات مفقودة وفراغ ملئته الجريمة

شباب الجنوب بين تطلعات مفقودة وفراغ ملئته الجريمة

أ / أبراهيم عبد السلام فرج

لا شك أن فئة الشباب تعتبر هي دفق الحياة في كافة المجتمعات وبها يقاس نشاط هذه المجتمعات حتى إن بعض الدول التي حددت النسل لمواطنيها مثل اليابان والصين أصبحت توصف بالمجتمعات المهددة بالكهولة وبذلك أصبحت مهددة أيضا بتدني مستوى النشاط فيها فمن المعروف أن الدول تعتمد على فئة الشباب في مجالات عدة منها بناء الجيوش وتطور الصناعة والطب والتعليم وكافة المهن الأخرى .. و والعمل على تطوَير التنمية البشرية خاصة لفئة الشباب لسد أحتياجاتها وضمان المحافظة على تطورها وتقدمها في كافة تلك المجالات أمر ملح جدا .

ومما عانته بلادنا في السابق و حاليا أيضا ، هو انعدام الاهتمام بهذه الفئة من المجتمع وإن كان هناك اهتمام يذكر فقد كان ممنهجا ومقيدا وربما نجد من النادر من حالفه الحظ ليجد نفسه في مجال ما متوافق مع تطلعاته … وبالرغم من أن المجتمع الليبي يعتبر من المجتمعات الشبابية التي تشكل فيه فئة الشباب الغالبية إلا أننا لم نستثمر هذه الميزة الإيجابية بشكل يخدم تطلعات و مصالح الوطن على المدى القريب والبعيد .. هذا الأمر ولد أحتقان كبير لدى هذه الفئة المضطهدة رأيناه وقد زلزل الأرض تحت أقدام النظام السابق وأطاح به وعلى الرغم من تغير النظام وتحقيق الهدف لا اننا ابتلينا بعوامل أخرى مثل أنتشار السلاح و عدم الاهتمام بتنمية العقول إضافة الى الفهم الخاطئ لهامش الحرية الذي نتج عن الإطاحة بالنظام السابق لتسيطرة أجندة عقائدية ونفعية لمن ساس البلاد بعد الثورة فتفجرت طاقة الشباب لتشكل وبالاً على البلاد والعباد حيث تم استغلال الشباب عبر إقحامه في حروب داخلية لخدمة توجهات النفعيين والمؤدلجين والمجندين لخدمة أجندة خارجية غرضها السيطرة على الوطن ومقدراته وكان شبابنا طعم سائغ لتغذية تلك الحروب ولا زال .

وبتعاقب الحكومات خلال الخمس سنوات المنصرمة بعد الثورة لم يكن هناك برامج واضحة وطموحة تستغل هذه الفئة وتستدرك أخطاء الماضي وتدمج هذه الفئة في مجالات الحياة المدنية والعسكرية المنظمة والمنضبطة بل كانت كل المعالجات فاشلة لم تزيد الأمر إلا تعقيدا أكثر مما كان عليه فانتشرت الجريمة بشكل مفرط وانتشرت المخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها من الموبقات المفسدة للخلق والأخلاق وتمترس شباب بلادنا وراء سلاح يوجهه على أخيه تحت مسميات عدة حرابة وسطو وثارات وحروب .

هذا الحال نستطيع سوقه على كافة البلاد إلا إن الجنوب وشبابه كان له النصيب الأكبر من تلك المأساة فحال شباب الجنوب وقع بين تطلعات يتمناها وبين فراغ مختلق جعله ضحية لكل ما سقناه في مقدمتنا الطويلة فشباب الجنوب عانى من التهميش سابقا ولاحقا فلم تولي الدولة اهتمام يذكر بالجنوب على المستوي العام وبالأخص لفئة الشباب فأصبح شبابه يغالب الأمرَين فلم يكن له النصيب العادل في البعثات العلمية والإيفاد لأجل الدراسة والدورات التدريبية ومشاركة المناشط الشبابية ولعل ما يدل على ذلك قرار حكومة الإنقاذ الأخير بشأن إيفاد أكثر من 10000 طالب للدراسة بالخارج لم يكن للجنوب إلا نصيب زهيد منهم .

ونجد أيضا أن انعكاس ذلك هو ما جعل مدينة سبها الأولى في الأجرام نسبة الى عدد السكان فعوامل التسيب الأمني وانهيار الدولة وانفتاح حدودها أمام الهجرات والتهريب هي نتاج الفراغ الذي يعانيه الشباب فلو تحصل كل شاب فرصة حقيقية في عمل أو استكمال دراسته أو شيء نافع يملئ فراغه ويحقق له دخل مناسب لما لجأ الى الانحراف أو الانجرار الى موارد التهلكة .

وبذلك نرى أن إهمال فئة الشباب عامة في ليبيا وخاصة في الجنوب هو السبب الأكبر في ما تعانيه البلاد من انفلات أمني وأخلاقي وهنا نرى أن الاهتمام بهذه الفئة واستقطابها وتنمية عقولها والمحافظة عليها .

إن دور الدولة في تنمية القدرات لشبابها هو المشروع الاستراتيجي الأول الذي يجب على الحكومات أن توليه الاهتمام الأكبر.. والعدالة في منح الفرص دون تمييز بين أبناء الوطن الواحد هو ما يخلق الملاذ الآمن والخروج من مختنق الحروب والأنفلات الأمني في البلاد كما أن الأهتمام بمناشط الشباب بجميع أنواعها وتبنيها وتنميتها هو أمر مهم يجب الاهتمام به واستثماره أيضاً .

وفي الجنوب أيضا على الدولة أن تمنح شباب هذا الجزء من ليبيا الاهتمام الأكبر ولا أبالغ لو قلت اعطاؤه الأولوية المهمة في برنامج عملها وذلك أن توطين مثل هذه القدرات في الجنوب يحد من الهجرة الى الشمال التي أصبحت تحدث بشكل كبير ويكون ذلك بتمكين الشباب من العمل بالمشروعات النفطية التي تنشط في الجنوب ومنحهم مشاريع تنموية ومساعدتهم في سبيل تحقيقها وتوطين المشاريع وبعض المؤسسات الحكومية بالجنوب سيخلق فرصة لشبابه … كل ذلك له أهمية بالغة في الحافظة على الجنوب من نواحي عدة الأمنية والتطور الإيجابي للعقول والعائد التنموي على البلاد ويجاور ذلك الى الحد الإقليمي في المحافظة على حدودنا المخترقة والمهملة من خلال ذلك أكتسب الجنوب حق أولوية الاهتمام به فأن لم يأمن الجنوب فلا أمن لليبيا ….

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :