بقلم :: عابد الفيتوري
شجرة تينيري .. الشهيرة بالشجرة الأكثر انعزالا على وجه الأرض ، تقبع في براح صحراوي يمتد لمسافة 400 كيلومتر (250 ميل) . ظلت معلما للراحلين المسافرين عبر فيافي الصحراء ، ونقطة دالة على طريق القوافل العابرة .
تقع في شمال شرق النيجر ، وظل السؤال المحير حول صمودها دون غيرها دهرا ، كونها اخر شجرة من مخلفات غابات العصر المطير التي كانت تغطي المنطقة لأحقاب ممتدة في القدم .
خلال فصل الشتاء عام 1939 تم حفر بئر بالقرب من الشجرة ، وتبين أن جذورها متصلة بالمياه الجوفية على عمق 33 – 36 متر (108 -118 قدما ) تحت سطح الأرض .
قائد بعثة الحلفاء العسكرية ، ميشال Lesourd ، من الدائرة المركزية للشؤون الصحراوية ، عندما رأى الشجرة اثناء مروره بها في 21 مايو 1939 م . تسأل عن سر صمودها وسط ذاك الجفاف القاحل .. على الرغم من جموع الإبل التي تنهش اطرافها ، وتتغذى على أوراقها وأشواكها .. وأغصانها التي دون شك كانت حطبا لتحضير الشاي لسادة القوافل العابرة لطريق الملح .. وتبين له ان الجواب الوحيد يكمن في النظر اليها على انها الشجرة المقدسة ، وان المساس بها يعد من المحرمات .
هذا النوع من الخرافة وما يشاع لدى قبائل الصحراء عن فائدة الاتكاء على جدعها في علاج مرض ” بو جنب ” جعلها تحظى بالاحترام الدائم . وحافظ على بقائها كمعلم ومنارة .
الشجرة الاكثر عزلة في العالم .. هكذا وصفها عالم الأجناس الفرنسي والمستكشف هنري لوت في كتابه ” ملحمة تينيري ” ، بعد رحلتين وقف خلالهما عندها متأملا اوراقها الخضراء ، وازهارها الصفراء .. الأولى عام 1934 في مناسبة عبور رتل من السيارات متجهة من واحة جانت بالجزائر الى مدينة أغاديز بالنيجر .. والثانية في 26 نوفمبر عام 1959 م . ضمن فريق بعثة تينيري . وفي رحلته الاخيرة وجدها وقد أصيبت بأضرار بالغة .
تعد من فصيلة اشجار السنط .. التي كانت تغطي الصحراء في العصر المطير .. ولكنها استطاعت ان تصمد امام التغيرات المناخية ، وان تكيف نفسها وفقا لما تفرضه قسوة الطبيعة .. متمسكة بالحياة الى الرمق الاخير .. في منطقة شاسعة التهمها التصحر والجفاف وقيظ الحر والجدب .. لكن شيء ما حدث .. لحقت باسلافها .. تألمت .. واستسلمت لموعد النهايات .. الموت .
ما حدث لهذه الشجرة السعيدة ؟ ببساطة ، سائق شاحنة ليبي .. زعم انه في حالة سكر – حسب الرواية المتداولة – اصطدم بجدعها اثناء عبوره في رحلة من ليبيا الى بيلما بالنيجر .. ربما لم يجد المساحة الكافية للمرور .. التبرير الانسب .
حدث ذلك عام 1973 .. وفي 8 نوفمبر 1973 ، وعلى اثر الحادثة ، تم نقل جذوعها الميتة إلى المتحف الوطني بالعاصمة النيجيرية ” نيامي ” . وثم اشهار مكان وجودها ببقايا مخلفات معدنية .