شكر النعم                   

شكر النعم                   

  •    عاشور صالح عبدالعزيز

أثنى الله سبحانه وتعالى في محكم آياته بالشاكرين وأثنى عليهم في مواضع كثيرة في آياته الكريمات، فقال تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( {إبراهيم: 7}، وقال أيضاً (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) }النحل: 114}. فمن أكبر نعم الله على عباده أن يجعلهم من الشاكرين وليس من المحرومين. لذا يجب علينا كمسلمين أن نشكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى التي نتمتع بها في كل لحظة من حياتنا ولا نلتفت إليها في كثير من الأحيان. فكثيراً من الناس لا يعلم طبيعة وقيمة النعم حتى نفقدها، فتكون الحسرة والندامة حينئذ، ولا تنفع الندامة وعض الأصابع بعد فوات الأوان. هذه بعض النعم التي يجب أن نرطب ألسنتنا بذكر الله وشكره عليها مساء نهار.

الحمد والمنة لله على نعمة الإسلام أولاً وأخيراً. قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) {المائدة 3}. فنعم الله بداية من كوننا مسلمين نسير على الفطرة السلمية كثيرة لا يمكن عدها بأي حال من الأحوال. لو نظرنا حولنا لوجدنا أن في كل لحظة من حياتنا في الليل والنهار نتعامل معها كمسلمات، بينما يتمناها الحروم منها وقد نكون مفرطين بينما يدفع آخرون الأموال للحصول عليها أو جزء منها.

الحمد لله على نعمة أن جعل لنا لساناً ذاكراً. من النعم التي يغفل عنها الناس هي أن يجعل لك الله لساناً ذاكراً. الحمد لله أن تذكر الله في أحلك المواقف وأشدها. فالذكر لا يتم باللسان وحده، بل باللسان واليد والقلب كما في قول الشاعر:

أفادتكم النعماء مني ثلاثة      يدي ولساني والضمير والمحجبا

الحمد لله على نعمة الصحة. الصحة مغبون فيها أناس ويتباهى بها أناس ولا يشكرون تلك النعمة حتى يقعدهم المرض أو يبدؤون في تعاطي الأدوية ويتذكرون أيام الصحة والشباب. بعض الناس يغتر بصحته وينسى يعتقد أن صحته من صنع نفسه ورياضته، ولا يشكر أنه يقوم من نومه سالماً معافى في سربه وبدنه فيقوم ويسعى وراء الدنيا دون أن يلهج لسانه بشكر الله عليها، فلعله لا يعود إليها أبداً. كم من إنسان أصبح أو أمسى في صحة وعافية وأمسى أو أصبح على سرير في مستشفى أو في غرفة العناية الفائقة أو ربما من سكان القبور.

الحمد لله على نعمة الأهل. الحمد لله على نعمة الزوجة ونعمة الولد ونعمة وجود الأب أو الأم أو كلاهما ورضهما. يقول الله سبحان وتعالى﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾. {الكهف 46}.

الحمد لله على نعمة خدمة الأم ورؤيتها والكلام معها كل يوم. قال تعالى وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23}، فنرى أنه تعالى ربط الإحسان إليهما وحسن معاشرتهما بعبادته. وكما قال رسول الله صل الله عليه وسلم للذي جاء يستأذنه في الغزو معه وله أم: الزمها، فإن الجنة عند رجلها. الحديث في المسند وسنن النسائي وابن ماجه، وهو حسن صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب. الحمد لله على نعمة الولد والذرية الصالحة. بعضهم يتمنى أن يسمع صوت طفل حوله يملأ عليه بيته ووحشته وبعضهم لا يعير لهم بال. الولد أمانة استودعك الله عليها، فعليك التربية وحسن المعشر وليس المأكل والملبس فقط. البعض الآخر لا يكف يسعى بين العيادات والأطباء والمستشفيات وربما تغرب من أجل الولد، وأنت حباك الله بالأولاد ولا تشكر هبة الله لك.

 

 

 

الحمد لله على نعمة سماع صوت الأذان والحمد لله على قدرة ونعمة السير إلى المساجد. قال صلى الله عليه وسلم (بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ). ويأتي هذا الحديث في التنويه على أهمية الجماعة في صلاة العشاء والفجر وأهمية المشي للمساجد سواء من بعيد أو قريب، كما يدل الحديث على كثرة المشي إلى المساجد.

 لكن من عاش في مكان تندر فيه المساجد كأوروبا والولايات المتحدة وكثير من الأماكن والبلدان في العالم يعلم معنى الحرمان من هذه النعمة الكبيرة. من رحم سماع الأذان يعلم حجم الخير الذي حرمه وربما استطاع أن يذهب إلى المسجد أحياناً ولكن ليس كمن كان المسجد على بعد خطوات منك. أفيا جار المسجد ولا تصلي في المسجد فعد إلى رشدك قبل فوات الأوان. فالله الله على تضييع الأوقات في بيت الله وقد أنعم عليك بالصحة والقدرة بأن تسير للمسجد بلا ألم ولا خوف وأنت آمن على نفسك وأهلك ومالك.

الحمد لله على نعمة المال والبيت والعمل والزملاء والجيران والأصدقاء والأحباب ومن نضحك معهم ونتحدث معهم بالحب أحياناً، ونتعارك معهم أحياناً أخرى. الحمد لله على نعمة السيارة والهاتف ونعمة الإنترنت ونعمة الرصيد والواتساب. كلها نعم ننعم بها ولا نتفكر في أهميتها في حياتنا إلا بعد أن نخسرها. أنظر إلى حال الفقير الذي لا يستطيع امتلاك هاتف مثل هاتف الذي اشتريته بأرخص الأثمان وتتباهى به بين الأصحاب والأحباب، وغيرك لا يملك لا درهماً ولا ديناراً، وحتى لو ملكهم فالخبز أولى عندهم من التباهي بهاتف لا يسمن ولا يغني من جوع بالنيسبة لهم.

إن من أخطر الأشياء هي التعود على النعم وعدم التفكر فيها ولا شكرها. إن عقوبة كفر النعمة فهو بزوالها والعقاب عليها، فكما أن شكر النعمة يزيدها فإن كفرها يزيلها. فنسأل الله لنا ولكم أن يجعل قلوبنا عامرة بذكره وألسنتنا عامرة بذكره، آمين يا رب العالمين.

وختاماً يقول الإمام علي بن أبي طالب:

إِذا كُنتَ في نِعمَةٍ فَاِرعَها      فَإِنَّ المَعاصي تُزيلُ النِعَم

وَحافِظ عَلَيها بِتَقوى الإِلَهِ      فَإِنَّ الإِلَهَ سَريعُ النِّقَم

فَإِن تَعطِ نَفسَكَ آمالَها         فَعِندَ مُناها يَحِلُّ النَدَم

فَأَينَ القُرونَ وَمَن حَولَهُم      تَفانوا جَميعاً وَرَبّي الحَكَم

وَكُن مُوسِراً شِئتَ أُو مُعسِراً   فَلا بُدَّ تَلقى بِدُنياكَ غَمّ

وَدُنياكَ بِالغَمِّ مَقرونَةٌ         فَلا يُقطَع العُمرُ إِلّا بِهَمّ

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :