شموع ونفحات جنوبية (1) (علي امحمد برهانة

شموع ونفحات جنوبية (1) (علي امحمد برهانة

د : سالم الهمالي

لا يمكن أن تلتقي صاحب (حكايات الميعاد)، إلا بميعاد بدون ميعاد، شخصية استثنائية رائدة، اجتمعت فيه خصال العلم والحكمة والتواضع، إن تحدثت معه عن اللغة العربية فأنت أمام أصحاب سيبويه والمقفع، وإن حاولت بالعامية ستدرك أنه سليل أسرة كريمة لها باع في مرحلة الجهاد ضد الطليان، والده شارك فِي معركة المكيمن وعافية و”تاقرفت” التي جمعت مختلف أطياف المجتمع الليبي، في ملحمة عظمية سجلها تاريخ الجهاد ضد الغزاة والمستعمرين.

تأخرت قليلا عن موعد اللقاء الذي رتب على عجل لظرف خارج عن الإرادة، فكان عفويا، التقت فيه الأرواح قبل الأبدان، لحظات مرت بسرعة البرق طاف بنا فيها الدكتور الفاضل علي امحمد برهانة على تاريخ الجهاد الليبي وهجرة الليبيين إلى تشاد بعد سيطرة الغزاة، يعيد علينا ما سمعه من والده ووالدته وأقرانهم، ممن كانوا شهودا على تلك المرحلة.

وكأننا نستلهم أبيات الشاعر الكبير عبدالمطلب الجماعي، الذي سبق مرحلة الاستعمار الإيطالي، واصفًا الحياة التي عاشها آنذاك: أَرْحَمْ بُـوي خَـلاَّني هَــوَاوي كـيف النجـم في قَلْب السماء لا لـي غرسْ مَنْبُـوتة سنـاوي ولا زيتــون معْصـاره زويءولانـي مـن قصِيرِين الخَطاوي ولانـي من حَمَامِيـل الصّغـاءولا نـي مـن عَدِيمين الفتـاوي نْصلّـي بالتْراب حْـذَا المــاءكـيف البُوم يَبْقَوا في الخَـلاوي نَــيْن يمَوّتُـوا تحْت الغْطــاء وحتى الصقـر ركَّـاز العَـلاوي ان جاه الضَّيم من وَكْرَه جـلاءونا هُو الطّير لـَرْبَدْ بُو جـلاوي عنـد البعْـد و الـدَّانِي سواءبْـوادِي بَـرّ في مَنْع الشهـاوى نْقِيمـوا صبْـحْ ونْشِيلو غَـدا ضليع في اللغة العربية، مدرسًا لها في مختلف مراحل التعليم (الابتدائي، الإعدادي، الثانوي، الجامعي، والدراسات العليا)، محاضر وأستاذ جامعي، رئيسا لجامعة سبها، أسّس المركز الوطني للتراث. كاتب وشاعر وحافظ لمخزون كبير من قصص وحكايات وأشعار وأمثال التراث الشعبي في ليبيا والمغرب العربي. له مؤلفات عديدة، لعل أبرزها (سيرة بني هلال ظاهرة أدبية)، منشورات جامعة سبها(1994).

من يريد أن يفهم المجتمع الليبي، عليه أن يعيش فيه ويتعرف على من سبروا أغواره دراسة وبحثا، كُتب الدكتور علي برهانة أحد روافد المعرفة للمجتمع الليبي. مخضرم ومحنك بدرجة عالية أدبيا وسياسيا واجتماعيا، صاحب ميعاد، لا يمكن أن تضيع اي كلمة في حضوره، فلكل موقف شاهد من ذاكرته الزاخرة، يقدمه بأسلوب غاية فِي التشويق والبلاغة. ظفرت بكتابه (حكايات الميعاد) بإهداء جميل يعبر عن كرمه وخلقه.

تناقشنا عن حال ليبيا وأحوالها، سمعت منه حديث الأصالة والشهامة والمروءة والاعتزاز، وكتبت في ديوان حياتي صفحة ناصعة مضيئة من معين الحكمة والعلم والتواضع.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :