صالح السنوسي لفسانيا : ما حققه الادب الليبي على هذه الخارطة هي مساحة لا يستهان بها

صالح السنوسي لفسانيا : ما حققه الادب الليبي على هذه الخارطة هي مساحة لا يستهان بها

بين القانون والعلوم السياسية يفيض الوادي أدبا جارفا عند السنوسي

في حوار مع فسانيا:

صالح السنوسي ، ووقوف على الجسر القديم.

خمسة عشرة عامًا في الغربة: تجربة أثرت على أعماله الأدبية

بين القانون والعلوم السياسية تتربع الرواية على عرش السنوسي

التاريخ يتشكل بعناصره الثلاثة: الحدث، والزمان، والإنسان

التاريخ الشفهي ، موضوع مُغْرٍ للرواية

رواياتي كلها ذات متكأ سياسي

التاريخ والهوية من أهم مصادر الالهام .

ليس هناك شخصية حقيقية في العالم الروائي حتى وإن كانت مستوحاة من الواقع.

المشهد الثقافي الليبي يتأثر بكل ما حوله في البيئة الداخلية والخارجية .

الرواية الليبية تتطور لأنها نشاط ذهني فردي.

الادب الليبي ظل يعاني ما يسمى بالمركزية الثقافية العربية

الأدب هو احد أسلحة الجماعة المهمشة في مواجهة طغيان الجماعات القوية والكبيرة

لو لم اكن مؤلفا .لكنت مترجما

يتوارى خلف جسد نحيف . حائك لا تخطئ عينه خرم الأبرة. ينسج من لا شيء شيئا.

يسلك دروبا عدة ولا يتوه . يصعد الجبل على قدم واحدة دون أن تتقطع أنفاسه.

كل الأوراق في جيب سترته مليئة بالعناوين .وعندما يفيض الوادي يحاول إنقاذ زغاليل الحمام العالقة في مجراه.

لا يقف على الجسر القديم إلا للبحث عن عقدة صلبة تربطه بالمستقبل قبل أن تقذف المياه الجارفة الجسر إلى تخوم المقبرة.

أجد نفسي أمام شخصية عميقة موغلة في القدم لغة وفي الحداثة تفكيرا ومنهجا.

السيرة الذاتية.

صالح السنوسي روائي وأكاديمي من مواليد بنغازي 1949.

حصل على شهادة الليسانس في القانون من جامعة بنغازي سنة1974، ثم نال الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة ديجون بفرنسا سنة 1977، وأكمل دراسته بحصوله على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة باريس نانتير سنة 1987.

يعمل حاليا أستاذا للقانون الدولي والعلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة بنغازي.

أمضى نحو خمسة عشرة عاما في فرنسا، وهي تجربة أثّرت بشكل كبير على أعماله الأدبية، حيث تناول في العديد من رواياته قضايا الاغتراب والمَنفى.

أبرز أعماله.

متى يفيض الوادي؟ 1980.

غدًا تزورنا الخيول 1984.

لقاء على الجسر القديم 1992.

سيرة آخر بني هلال 1999.

حلق الريح 2003.

يوميات زمن الحشر 2012.

الهروب من جزيرة أوستيكا 2018.

أزهار بيضاء على تخوم المقبرة 2021.

سيرة الفيض العبثية 2025.

كما صدر ت له كتب :

العرب من الحداثة إلى العولمة 2000.

العولمة أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف 2002.

المأزق .العرب غياب الفعل الجماعي وعنف الأقلية 2004

إشكالية المجتمع المدني العربي العصبة والسلطة والغرب 2012.

التطرف الديني الأمومة الثقافية وتغذية الواقع 2020.

الوجيز في القانون الدولي 2000.

إرادة العجز ونهاية الطموحات العالمية (ترجمة عن الفرنسية).

رواياتك تتناول في الغالب مواضيع مرتبطة بالهوية والتاريخ الليبي، ما الذي يجذبك إلى هذه المواضيع؟

رواياتي كلها ذات متكأ سياسي ولهذا فمن البديهي أن يكون التاريخ والهوية من أهم  مصادر الإلهام لسردياتي ، فالهوية  هي خلف كل تمييز بين الأفراد والجماعات، وهي أيضا وقود أغلب الصراعات بين البشر، إن لم تكن جميعها سواء بين الأفراد أو بين الجماعات،  فالخلاف والحروب والكراهية وإن كانت لها أسباب مصلحية إلا أن ادعاءات الهوية هي التي تحركها سواء عن طريق  تحشيد الأفراد  وتكتلهم أو عن طريق شيطنة الآخر ، فإسرائيل  مثلا رغم أنها كيان وظيفي في خدمة استراتيجية الغرب في المنطقة ، إلا أن تحشيد أفراد الجماعة وتغذية الحرب الهمجية التي تقوم بها ، تجرى عن طريق ادعاء الدفاع عن   هوية وتاريخ مصطنع ، إذن الهوية هي خلف سلوكيات وتصرفات الإنسان تجاه الآخر، فيحصل الفعل ورد الفعل، فينتج عن ذلك ما نسميه الحدث،  وهو مادة التاريخ الذي يتشكل باكتمال عناصره الثلاثة وهي: الحدث، والزمان، والإنسان.

وبما أن التاريخ هو سياسة الماضي والهوية هي إحدى أهم محركات التاريخ، وبما أن رواياتي في عمومها تحفل بالهموم السياسية، فمن البديهي أن يجذبني التاريخ والهوية، فعلى سبيل المثال، أدى طغيان الهوية الإيطالية إلى ردة فعل من الهوية الليبية للدفاع عن نفسها، فتشكل حوار العنف بين هوية معتدية وهوية مدافعة، تاريخ استعماري كان موضوعا لرواية الهروب من جزيرة أوستيكا، ورواية أزهار بيضاء على تخوم المقبرة.

كيف ترى دور الرواية في حفظ التاريخ الشفهي المهمش؟

هذا السؤال يقودنا إلى رواية  الهروب من جزيرة أوستيكا، التي صدرت عن دار الفرجاني منذ بضعة أشهر بعنوان: ” سيرة الفيض العبثية” فهي في أحد منطلقاتها توثيقٌ لتاريخ شفهي لجماعة امتلكت المكان والزمان، وصنعت أحداثًا شكّلت تاريخًا شفهيًا، لم يَحْظَ بإدراجه في تاريخ الكون المكتوب، رغم اغتناء هذا التاريخ الشفهي بكل ما هو اجتماعي، وثقافي، وسياسيي، ورغم أن هذه الجماعة لم تكن منغلقة تماما على نفسها، بل تتأثر بالضرورة بكل ما يجرى حولها، سواء في البيئة الملاصقة  لها، أو ما يحدث في البيئات البعيدة، مثل حرب السويس، أو الثورة الجزائرية، إلا أنها في ذات الوقت تحتفظ بمسافة ينها وبين من حولها، لكى تتميز عن غيرها، وهو نوع من الدفاع عن هويتها المتمثلة في خصوصية سلوكها، وتقاليدها، وأعرافها، ورؤيتها لنفسها، وعلاقتها بالمكان الذي أخذت اسمها منه، والذي ترى فيه رمزا لوجودها واستمراريتها في الزمان، ورغم أنها في واقع الحال تعد هامشية في نظر التاريخ المكتوب للجماعة الكبرى، التي تنتمي إليها، إلا أن جماعة ” الفيضيين” لا تحس في قرارة نفسها بأنها هامشية، بل تفتخر  بنفسها، ولعلّ أبناءها يساورهم الشعور  بأنهم مركز الكون، ولهذا نرى  هذه الجماعة قد صنعت لنفسها روزنامة زمنية خاصة بها، تعتمد على أحداث ووقائع جرت في الفيض ، مثل عام النوار،  وعام عجاج سيدي المهدي، وعام ميتة الصبايا، وغيرها  لكي يؤرخوا بها الأحداث السارة، والحزينة،  والمواليد، والوفاة، والزواج، فخلقوا تاريخًا خاصًا لا يعتمد على روزنامة  تاريخ الكون المعروفة.

أعتقد أن التاريخ الشفهي موضوع مُغْرٍ للرواية، وذلك لأنه من ناحية يفتح أفقًا واسعًا أمام الفنتازيا والخيال، ومن ناحية أخرى يفتح أمام الرواية فرصة التوثيق، فتبدو وكأنها مرجعٌ تاريخيٌ لتاريخ موثق صوتيا فقط.

هل تستلهم شخصياتك من الواقع أم أنها بالكامل من نسيج الخيال؟

الخيال ليس إلا تخيلا للواقع، فالخيال لابد أن ينطلق من الواقع، لأن التخيل هو إعادة تشكيل الواقع للوصول إلى حالة ليست موجودة في الواقع العيني، ولكنها تستمد وجودها من مادة الواقع، وقد نتخيل ثورا مجنحا يطير في الهواء، وهذا غير موجود في الواقع، ولكن لا ننسى أن الموضوع يبدأ بالثور وهو موجود في الواقع.

إذا عدنا إلى الشخصيات في العالم الروائي، فقد تكون بعض شخصيات الرواية لم توجد يوما في الواقع، ولكننا في الحقيقة نحاكي بها الواقع في العالم الروائي الذي يقدم نفسه للمتلقي على أنه حقيقة وواقع، أو هكذا يريد نفسه ، وقد تتناول الرواية شخصيات من الواقع، ولكن بمجرد دخولها إلى العالم الروائي لم تعد هي تلك الشخصيات، وفي تجربتي الخاصة، فإن الشخصيات التي ألتقطها من الواقع أضيف إليها من الخيال ما كنت أتمنى أن تكون عليه في الواقع، ولهذا ليست هناك شخصية  حقيقية في العالم الروائي، حتى وإن كانت مستوحاة من شخصية واقعية.

ما التحدي الأكبر الذي تواجهه أثناء كتابة الرواية.

أكبر تَحدٍ بالنسبة إليّ هو قرار البداية في كتابة الرواية، لأن الفترة التي تسبق هذا القرار هي فترة مناقشة ومراجعة الفكرة، التي أوحت بموضوع الرواية، وبالتالي فإن قرار الكتابة يعني أن الفكرة قد نضجت مبدئيا، ويجب الدخول إلى المرحلة التالية، وهي الكتابة وبداية الولوج إلى العالم الروائي، وهي الأصعب؛ لأنها هي الباب الذي يدخل منه المتلقي إلى المبني الروائي، فإن كانت البداية سيئة أو غير موفقة فإن الرواية بكاملها ستكون ضحية هذا القرار.

كيف ترى تطور المشهد الثقافي الليبي؟

المشهد الثقافي الليبي  يتأثر بكل ما حوله في البيئة الداخلية والخارجية وبالتالي فهو يعاني من انعكاسات كل ما يدور في البيئة الليبية، سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا ، فالمشهد الثقافي لا يتطور  بشكل مضطرد  في مجتمع  مضطرب غير  مستقر، وهذا هو حال المشهد الثقافي الليبي، والمجتمع الليبي، فالمناشط الثقافية تقل وأحيانا تختفي  في مجتمع تستغرقه هموم أخرى، ولعل الرواية الليبية فقط هي التي تتطور في هذا المشهد ، لأنها نشاط ذهني فردي،  ولأنها تجد الكثير من موضوعاتها في الواقع الليبي المأزوم، ولأنها  أيضا في سباق مع الأدب الروائي في الثقافات الأخرى ، ومع ذلك فإن الرواية الليبية تواجه مشكلة ندرة التلقي لأسباب كثيرة ليس أقلها الوضع المادي والانصراف إلى هموم  أخرى.

 من أين يبدأ صالح السنوسي روايته؟من فكرة، أم من مشهد، أم من سؤال وجودي؟

في كثير من الأحيان لا أعرف كيف خطرت ببالي الرواية، فقد تكون ولدت من فكرة لم أستدعها، بل راودتني على نفسها، وفي رأيي قد تحمل الفكرة في ثناياها سؤالا وجوديا، وقد تتخفي في مشهد عارض، لا يلفت نظر الكثيرين.

في نظرك كيف تُصنّف الأدب الليبي داخل خارطة الأدب العربي؟

المجتمع الليبي كما نعرفه اليوم   باعتباره جماعةً، ودولةً، وإقليمًا، هو مجتمع حديث النشأة، مقارنة ببعض المجتمعات الأخرى، فإذا أخذنا هذا بعين الاعتبار عند المقارنة،  فإن ما حققه الأدب الليبي على هذه الخارطة هي مساحة لا يستهان بها ، فهناك أدباء، وشعراء، وروائيون، وقصاصون، لا تقل قيمة إبداع بعضهم عن قيمة إبداع الكثيرين ممن يسمونهم ذوو القامات الكبيرة في آداب المجتمعات العربية الأخرى، ولكن الأدب الليبي ظل يعاني، ولعلّه لايزال، مما يسمي بالمركزية الثقافية العربية، فلا شك أن بعض المجتمعات العربية المشرقية، مثل: مصر والشام، والعراق، ولبنان، كان لها الريادة  الأدبية منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلى جانب ثقلها التاريخي، والسياسي، والديموغرافي، وانفتاحها على الثقافات الأخرى نسبيا، وبالتالي ظلت آداب المجتمعات العربية الطرفية إلى جانب آداب تلك المجتمعات مهمشة،  بما فيها الأدب الليبي، ولهذا فإن هناك قامات أدبية كبيرة في هذه المجتمعات ، ليسوا  معروفين، وغير مقروئين، بينما أدباء أقل منهم قيمة إبداعية في مجتمعات المركز الثقافي هم أكثر شهرة من أولئك ، ولكن لاشك أنه منذ منتصف التسعينيات، ومع ثورة الاتصالات  بدأت الرواية الليبية بالذات تزاحم على مكانة لها على هذه الخارطة.

كثيرا ما تعود في أعمالك إلى الذاكرة الجماعية الليبية، فهل ترى في الأدب وسيلة لاسترداد ما تم نسيانه؟

 لكي أكون صادقا ليست كل أعمالي تنصب فقط على الذاكرة الليبية والجماعة الليبية، فهناك أعمال اتخذت  من الهم القومي للجماعة الكبرى  العربية التي إحدى أفخاذها هي الجماعة الليبية، ولكن إذا أردت أن أتحدث بشكل عام عن الجماعة  وذاكرتها وعلاقتها بالأدب، فلا شك أن الأدب  هو أحد أسلحة الجماعة المهمشة في مواجهة طغيان حضور الجماعات القوية والكبيرة واحتكارها للمسرح التاريخي،  سياسيا، واجتماعيا، وثقافيا ، كما يلعب الأدب دورا في تذكير أبناء الجماعات المهمشة بانتمائهم وبهويتهم  المهددة بالنسيان، وإذا رجعت إلى ما يتم نسيانه  بالنسبة إلى الجماعة الليبية وعلاقة بعض أعمالي  الروائية بهذه القضية ، فإن مرحلة الاستعمار الإيطالي لم يكن لها صدى يذكر في الأدب الروائي الليبي ، ما عدا روايتين هما رواية مبروكة  في ثلاثينيات القرن الماضي، والمختلف حول وجودها أصلا ، والرواية الثانية هي رواية خليفة حسين مصطفى ” الجريمة”  في ثمانينيات القرن الماضي ، ولكن بعد صدور رواية “الهروب من جزيرة أوستيكا”  ثم رواية ” أزهار بيضاء على تخوم المقبرة” تفتحت ذاكرة الأدب الروائي الليبي على هذه المرحلة، ورأينا صدور روايات مثل رواية صندوق الرمل  لعائشة إبراهيم ، كما دفعت رواية الهروب من جزيرة أوستيكا ،وأزهار بيضاء على تخوم المقبرة ، المترجمين الليبيين إلى البحث في الآداب الروائية الأخرى عما  كتب عن مرحلة الاستعمار الإيطالي،  فظهرت  ترجمات  نشرتها دار الفرجاني لروايات أجنبية تجري أحداثها في تلك المرحلة مثل : رواية الشاطئ الرابع التي ترجمها  فرج الترهوني ونشرت في سنة 2021  وأيضا رواية  المجند ، التي ترجمها نفس المترجم  ونشرت 2022 وأنا على يقين بأن هناك الآن من يحفرون روائيا في هذه المرحلة وستظهر أعمالهم في المستقبل، ولهذا فإنني أعتقد ولعلني مخطئ  بأن رواياتي  لم تسترد ما تم نسيانه  فقط، بل لفتت نظر  الروائيين إلى هذه المرحلة،  فانفتح أمامهم أفق لم يرتادوه من قبل،  أفق غنيٌ بأحداثه ومعانيه، رغم أن لا أحد فيهم سيعترف بذلك، بل سينكر أنه قرأ أو سمع  لا برواية الهروب من جزيرة أوستيكا ،ولا برواية أزهار بيضاء على تخوم المقبرة.

كيف تختار الأعمال التي تترجمها؟ هل هناك معايير خاصة لديك؟

لم أعمل بالترجمة الأدبية ولكنني قمت بترجمة كتاب ” إرادة العجز: نهاية الطموحات العالمية والاستراتيجية” للبروفسور باسكال  بونيفاس مدير معهد الدراسات السياسية في باريس ، وبعدها انصرفت إلى كتابة ما في جعبتي وتركت الترجمة لمن يمتهنونها ولكن لا شك أن الترجمة لعبت دورا في كل العصور في انتقال الأفكار والحوار والتلاقح بين الثقافات الإنسانية ولو لم أكن مؤلفا لكنت مترجما.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :