بين الشاعرين هاني نديم ومحمد الهادي الجزيري
كما يفعل كل السوريين
تصوّرت أمام صخرة الروشة
ببيروت
وهززت رأسي لكل الأغاني الفرنسية
وبكيت وأنا أودّع عماد بدران
وتيمّناً بالأغنية العراقية
في بغداد
بكيتُ كثيراً في العباس، قبل أن تأتي
أطنان المايونيز مع المارينز
تصوّرت مع “المسكوف” والثوم
أنا وجواد الحطاب وأطوار بهجت
وبكيت مرة أخرى
نافلةً
بلا سبب
في تونس
قبّلت عينيّ محمد الهادي الجزيري
لأنه بكى فيهما على البلاد
وبكيت معه..
ثم
تصوّرنا في قرطاج
وابتسمنا..
في الشام
في الشام
بعد كل هذا العمر،
نسيت أن أتصور صورةً واحدةً
وأبكي ولو بدمعةٍ لا تخرج من العيون
يا الله
لماذا علينا أن نبكي في هذه الوطن المأفون؟
تصورّ معي..
أن تلك المطارح
يتصوّر فيها صغارك
وهم
يضحكون!
صباح الخير أيها الشعر
صباح الخير محمد الهادي الجزيري
مددت يدي لجعبة الفيس بوك فخرجت بهذا النص الجارح..
نتبادل القصائد كما يتبادل الجنود فوارغ رصاصهم بعد النجاة من الحرب
إنها صداقة الشعر والتاريخ، لا صداقة هذا الزمن المعلّب، إنها علاقة الجغرافية والتراكم الإنساني والمواقف المتجذرة، لا علاقات مواقع التواصل الهشة وهي تنطفئ كعود كبريت دون ريحٍ ولا عواصف..
بيني وبين محمد الهادي الجزيري صداقةٌ تمتد لربع قرنٍ خبرنا خلالها الأحزان والأفراح والخيانات وتجرعنا ما تجرعنا من الغياب والصحب والجنازات..
لقد كفاني الجزيري جهد الكتابة هذا الصباح، إذ أنني لأول مرة أتجرأ على نقل نصٍ جارح له أهداه لي من ديوانه البديع “نامت على ساقي الغزالة“.
دوماً، كنت أعبر هذا النص الذي يمسّني في العمق دوماً بسرعة بالغة.. ألهج به سريعاً وكأنني محمومٌ أريد أن أصل إلى آخره كمن يخيط جرحه دون تخدير..
بلى يا صاحبي، لم يشاركنا من كنا نخبئهم لسود الليالي.. لكن لا يهم. ها نحن معاً
يقول الجزيري:
احزنْ فما معنا أحدْ
واضحك من البلوى
فما في إثرنا يا وجهيَ الدامي أحدْ
لا غيم ، لآ حلفاء
لا أعداء محترمون جدّا أو قليلا
لا ابنة الجيران ، لا امرأة العزيز
ولا نساء التلفزةْ
لم يكترث بهبوبنا
في وجه هذا الكوكب السكران
كلبٌ واحد
أو قطّة ممّن ترفّقنا بهنّ
طوال هذا التيه
من جسدٍ إلى جسد
إلى أن خاننا هذا الجسدْ
احزن فما معنا أحدْ
ها نحن بين براثن الخمسين
لكأنّنا اللا شيء
قد نُنسى هنا في كهف غربتنا الحديثة
لا رنين لهاتف
لا ضيف يطرق بابنا الغافي
ولا ساعي البريدْ
سنرثّ كالثوب القديم
وترتدي تلك التي في بالنا ثوبا جديدْ
قد لا يمرّ الموت
……
حتّى الموت قد يسهو عن الأصداف
في هذا الزبدْ
احزن فما معنا أحدْ