- جلال حمودي ::
روحُ من صعدتْ ..
قالت الأرض وهي تعدّ حقائبها
كي تعيدك من لغة في البعيدْ
شجر يرفع الان أغصانه للصلاة وعشب يغنّي:
_من الصاعد الان أنت أم الضوء، أنت أم الظلّ
تزورّ ذات اليمين وذات الشمال لكي لا تُرى.
ضاحكا ..
كلّما مرّ من شارع “لا يؤدي إلى هدف”
ساخرا ..
من ذبابة سارتر ،رصاصة فان غوغ ،
رسائل كافكا، نهاية لعبة بيكيتْ ،كراسي يُجين يُنسكو ،شوارب نيتشه ..
يحدّق فيهم ويضحك، يضحك، يضحك
ملء حواسه يضحك ،يعلم أن مدينته تقتل الفعل ثم تؤسس للماوراءْ
كان يعرف هذا الخراب لذلك غادر أرض الخطيئة
من دون أجنحة صعد الوسائد وارعوى
كيف أقنع عصفورة واحدةْ
ان الغناء نشاز لأن الكمان بلا عازف
والمدينة كل المدينة من شدة الحزن
تسكر هذا المساء بعيدا قبيل الجنازة
ثم تعود لتحمل هذا النبيّ إلى جنّة واعدةْ
من هو الصاعد الان ،أنت أم الأرض ،
نمشي وراءك أو أننا صاعدون بفارق شهقةْ
ومن أي باب سندخل للآخرةْ
أي باب سنطرق أم اننا الباب
نطرق شيئا يعود صداهْ
دمُ من سابق الماء في صلواته
والآه فجرا لمن تكتب الان للروح أم للجسدْ
_هاربا منك للأبدية
بي طعنة لا ترى
تاركا جسدي للفراغْ
رغم هذي الجراح يغنّي
سأتركك الان خذ دمعتي ولساني
أراك تتمتم ما سأقول بُعيد السفرْ
_يا حبيبي انتصرْ
كن خفيفا وأنت تشيّعُ وانظرْ
أطل عليك من المنتهى
خطوتي معكم في الجنازة
أرفع ثقل الهواجس، أحلم بالمستحيلْ
وأسير وحيدا في النهاية دون بوصلة أو دليلْ
سأكون غدا عشبا وأينع من حجر مائل
وسأتبع ضوء مخيلتي
ربّما تصعد الآه من جسدي عبثا
ربمّا من رمادي أعيد التشكّل
أنفخ فيّ أكون نبيّا
واصعد عارٍ من اللحم والعظم
أنطق اسمك داخلي
فأصير أنا
يا انا في النهاية ..
أسند ظلي إليك وأصرخ ،أصرخ ،أصرخ
في ما أراه وفي ما ترى
ربّما عبرت مريم الان
حذو ضريحي سقت كل ما جفّ فيَّ
لم تنتبه للتراب ،أنيني،
تحرك بعضي ،
عواء الذئاب بصدري
أطلّ عليها ..
حولي موائد خمرة
حولي نساء من ضبابْ
وأحدقّ فيها وحولي وفوقي ترابْ
لم تمتْ هي فقط رمية خاطئةْ في الفراغْ
والفراشة حطّت هنا الان تعرف من أنت
رمية نرد رأت موتك الان في شارع ميّت قرب قنطرة
لا حياة عليها وأنت وحيد بصحبة ضحكتك المشتهاة
بصحبة طير بريءْ ..
_الطير كان يرافقه كلّ صبح بهذا الفراغ بلادهْ ..
مررتُ به ظل مرتبكا ثمّ ماتْ
صحبة الارتباك مضى وحده في النهاية دون غناءْ.
المدينة تقتلنا يا فؤادُ
ونحن مثلك موتى فقط لا نرى ما تراه
ولا نمسك الوقت مثلك
لا نعرف الأبيض المستحيل ولا الأبدية
لا نعرف الله لا عرشه لا هواء
ما بعد هذا البعيد ،
ولا ندرك الضفة القادمةْ
كم عبرت من السموات لكي تصل الشجرةْ ؟
قاب قوسين منك رسمنا بلادا وعدنا لكي نشطب الخاتمةْ ..
طاهرا مثل حبة قمح ستنبت سبع سنابل
في كل سنبلة ألف حبة عشق وأكثر
يفصح عمّا بقلبه من فرح
لم يمت ..
خبّأ الروح في شرنقةْ
وغدا يستحيل فراشةْ ..
بشرفة “آرتو” جلست أراقب هذا الشويرع،
أضيق من قبرك المستطيل
وأصغر من حانة
في الجنانِ _بلادك_ في السفر اللانهائي ..
كنتَ تمرّ بقربي ولم أنتبه
ربما لم تغبْ ساعة عن شوارعنا
ربّما أثر الفراشة !!
” أثر الفراشة لا يرى ،أثر الفراشة لا يزول “
لم يمت ..
اني أرى طيفه الان في شارع ضيّق كالجحيم بساحة سوق الحدادة، في ساحة الشهداء ،أمام “علي بن عبيدْ”
خطواته في الحارة _المشتهى_
يطلب الان شايا وقهوةْ من الاتحاد ،له ألف باب هناك وألف قصيدةْ
أرى مدنا في البعيد تسير وراءه تطرق بابا تصدّع في
الغيب لكثرة ما عانق الريح والأغنيات ويعلم أن جراحا عميقةْ تغلّق بابه، يعلم أن منازله في الوراء وأن بياضا أمامه فتّح جنّاته
واقفا بين بينْ ،الحجارة في يده والوراء يصفّر يضحك من خطوة للوراء ..تقدّم خطوتين وماتْ
لم يمت ..
في الحقيقة جرّب دور البطولة في مدن القبح
قاتل كل جيوش الكآبةْ وماتْ .