- المهدي يوسف كاجيجي
أول طائرة ركبتها فى حياتى كانت فى الخمسينات من القرن الماضى،كانت تتبع لشركة طيران ” ليبيا فيا ” التى كانت تقوم برحلة كل أسبوعين، ما بين العاصمة طرابلس ومدينة سبها عاصمة ولاية فزان، المملكة الليبية المتحدة. وقتها كنت أقضى عطلة نصف السنة مع الأهل فى سبها، فمرضت وكانت حالتى لا تسمح بالعودة إلى طرابلس برا، في سيارة شحن للبضائع، حيث كانت الرحلة تستغرق سبعة أيام.عندما بدأت الطائرة تستعد للأقلاع، انتابنى خوف شديد مصحوبا بحالة عرق فى الجبهة والكفين. حالة استمرت معي ولازمتني حتى يومنا هذا،وعند ركوب أى طائرة .
صواريخ وطائرات معيتيقة
فى رحلتي الأخيرة على الخطوط الليبية من مطار معتيقة، والتى تأجلت لاأكثر من مرة بسبب العمليات العسكرية حول وداخل المطار، الذى من المفروض أن يكون مطاراً مدنيا.وعندما بدأت الطائرة تدير محركاتها استعداداً للإقلاع، ارتفع صوت المضيف بتلاوة تعليمات السلامة، والامر بربط أحزمة المقاعد عندها بدأت موجة الخوف المعتادة تهاجمنى مصحوبة بالعرق الغزير. وقتها كان طاقم الضيافة فى حالة مرور للتأكد من عملية ربط الأحزمة، شباب فى عمر الورد، وجوه باسمة واثقة، وعندما انحنى احدهم لمساعدتي فى تعديل وضع المقعد وربط الحزام نظرت فى عينيه وشعرت بخجل شديد من النفس إلى درجة الاحتقار. وتمتمت ما بيني وبين نفسي: يا الله شيخ فى العقد الثامن ينطبق عليه قول الشاعر ” لبيد أبن ربيعة ” القائل: [ ذهب الذى يعاش فى أكفانهم ….. وبقيت فى خلف كجلد الأجرب ] عجوز كما يقولون ” رجله في الركاب ” رحل معظم جيله وهو ينتظر. ما يزال يرتجف خوفاً من الموت فى رحلة مدتها ساعات ،بينما هذه الوجوه الشابة من طيارين وأطقم ضيافة. أضف اليهم بقية الأجهزة العاملة فى المطار، هذه الورود الشابة التى تواصل عملها بشكل يومي لربط العاصمة الليبية بالعالم وسط ظروف صعبة، لا تخفى على أحد. حراك يومي ما بين أقلاع وهبوط،فى مطار يفتقد لكل شروط السلامة، تتحرك طائراته المدنية محملة بركابها وسط حراك مسلح تنطلق فيه الطائرات وسط تبادل لإطلاق الصواريخ والأعيرة النارية، وبالرغم من كل ذلك فهم مصرين وملتزمون على تلاوة شروط السلامة على الركاب داخل الطائرة وفى الخارج يتربص بهم الموت.
اتصلت بابن صديق يعمل بمطار معيتيقة للسؤال عن رحلة طيران قادمة وسط أنباء عن توقف رحلات الطيران فى المطار نتيجة للعمليات العسكرية، اجابنى ضاحكا: ما تخافش يا عمى الحاج كلها ساعتين ونكنسوا المطار وترجع الأمور لحالتها الطبيعية. وحفظ الله ابطال معيتيقة.وحفظ الله ليبيا.