سالم البرغوثي
سأتصور وإن كنت على يقين من أن دموعك مازالت على بلاط مدرج المطار وأنت تغادرين المدينة التي تشكلت في وجدانك وجسدك ودمك. سأتصور وإن كنت على يقين من أن لا أحد أحب طرابلس مثلك ولا أحد كتب عنها بالدموع قبل القلم مثلك. سأتصور وإن كنت على يقين من أن غيلان المدينة وحجر السرايا وشواهد قبورها ومراكب الصيادين الغارقة على شواطيء الشعاب تعرفك وتسمع صدى خطواتك. سأتصور وإن كنت على يقين من أن طرابلس تسكنك وتتلبسك كالجن الجاثم على صدر إمرأة تبكي وطأة الضياع وتقف على حافة العالم.
سأتصور وإن كنت على يقين من أن فوبيا العودة والتردد ربما نابع من أن لا تكون طرابلس كما كانت قبل الرحيل وأن نفسها يضيق واصابها الوهن وشاخت وتبدلت شوارعها وأزقتها وتوارى معظم سكانها الطيبين.
لاشيء في المدينة كما كان ياعزة . لم يعد هناك خبز خديجة ولا عالة نورية ولا قفة مناني ولاعمك الهاشمي فحتى رضوان ابوشويشه أختار أن يموت في الكدوة بعيدا عن طرابلس التي خذلته قبل الرحيل بقليل. لم يعد هناك ناسبولي ولا ليم دمي ولا شجرة زيتون .فالمدينة تحولت إلى مقبرة للبضائع المستوردة من خارج الوطن.