- الكاتب :: محمد الانصاري
تتسارع عناصر المجتمعات فى بناء مشتركات ، تمكنهم من تقليص جهود النظم الرسمية ، لتنفيذ مهامها واحتياجاتها دونما حاجة إلى تتبع التسلسل الكلاسيكي ، وتعتبرها الأنظمة بأجهزتها القضائية أعمالا مجازة طالما أنها تحقق المصلحة العامة ، ولاتضر بها ولو أسقط بها شرط من الشروط ، إذ أن الشروط توضع لضمان تحقيق المصلحة العامة ومصلحة الفرد وعدم الضرر بهما ، وطالما أن المصلحة العامة تحققت لا ينظر كثيراً إلى الشروط بقدر مايهم إلى الإنجاز وكيفية الإنجاز، لا شكله وذلك ليس بعيداً عن القواعد المنظمة للفقه الإسلامي “لاضرر ولاضرار “وليس بعيداً أيضاَ عن الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو الذي ربط السياسة بالقانون معبراً عنها “بروح القانون ” إذ أن الأحكام والقوانين لايمكن أن تكون عادلة تماما دونما النظر إلى بيئتها أو سياقاتها كما أن للعامل الاجتماعي دوراً مهماً ومؤثرا فى العملية السياسية فلايمكن فصل نتائج العمل السياسي عن العامل الاجتماعي لكون العمل السياسي ناتج عن المخاض الاجتماعي لذا فالتركيبة الاجتماعية ونوعها تعد وتحد وتحدد طرق الممارسة وكل نتائج ذلك العمل مؤثرة تماماً فى الوضع الاجتماعي .ذلك التشابك المعقد صار لايهم كما لايهمنا ماتفضي إليه أحكامنا. لانجد صعوبة فى إطلاق الأحكام دون تفكيك المتشابك ولا الإمعان فى الضرر الذي قد تخلفه أحكامنا لالتزامنا التام بالنص لكن التحدى الاكبر في عدم التغافل عن المصلحة العامة. فلم نسلم بعد من جرأة حكم محكمة ضل أثره واقعاً على الأمة الليبية إلى الآن ، حتى أعلنت محكمة أخرى ببطلان عمل أجمع عليه ألوان طيف مدينة لإنجاحه لاينقصها انقسام ونزاع آخر، حتى يندلع فيها نزاع على السلطة المحلية التي ضلت بالرغم من هفواتها تتمتع بشيء من الشرعية ، ولم تهتم تلك المحكمة لخطورة هذا الحكم ولم تعتبر من حكم نظيرتها فى الشمال فما قد يفضي به حكم المحكمة عن بطلان الانتخابات لاينتهي بإعادة الانتخابات إنما له أبعاد أخرى قد تؤثر على العملية الانتخابية فى المدينة وربما إلى الأبد ، والوضع الاجتماعي الذي تعتمد عليه العملية السياسية في الجنوب الليبي نتيجة لتركيبته ، متكئة على طعون المرشحين من الطبيعي جداً أن لايقروا بخسارتهم في إدارة الجموع ، ويلقي عجزه على خروقات تحدث في أي عملية انتخابية مهما ضبطت، وذلك بيّن في خيبة إيجاد نقاط جوهرية يمكن اعتبارها خللاً فاعلاً وذو أثر في العملية الانتخابية ، ولكن من غير الطبيعي جداً دخولنا ماوصفناه باطلاً بإيمان تام دون قهر، ثم إذا مافشلنا فيه صاحت ضمائرنا وقالت سبحانك ربي إن هذا لضلال مبين .كان الأحرى لتلك العقول التي تريد قيادة مجتمعاتها إعلانها عدم الدخول إلى تلك اللوثة وهم صفوة المجتمع وأنقياؤه والمدافعون عن الفضيلة ، وتعلن حينها أن هذا عمل غير صالح ولا تلوث نفسها الوطنية في هذا العمل المخل بالقوانين ولكن الوطنيين فعلوا ذلك ليس تنزيهاً لعمل إنساني قرينه الخطأ وسوء التقدير بقدر ماهو تقدير لمغبة إعاقة هذا العمل الذي يمكننا العدول عن ذمّه بإتمام مقارنته بالتحديات التي رافقت انطلاقه وتقدير نواتج خطئه ، فليس مهماً لدينا من نجح في إدارة الجموع الانتخابية او فشل إنما المهم هو استمرار هذا الخيار وحمايته كقيمة أقيمت هذه المرة بإصرار من الجميع ، والذي رافقه تأمين محلي غير مسبوق من الجميع ، و الذي يعد لوحده دليلاً على توفر أعلى وسائل الأمنية وهي الأمن الذاتي من المجتمع ، الناتج من “الإيمان والرغبة” في التغيير وبلغة أخرى الناتج عن اتفاق مصالح اجتماعية ، فالاجهزة الأمنية مسيرة لأمن المجتمع وتفاعل المجتمع مع الحالة الأمنية أعلى مراتب الأمن التي تسعى الأجهزة الامنية المتقدمة لتطويرها فقلما نجد هذا الإجماع من المجتمع السبهاوي على شيء من حيث “المبدا والكيفية ” وإن في تعطيله فتح باب أمام فوضى في الجزئيات الاجتماعية شديدة الضيق وسياسية محلية كلية جديدة . وبعيداً عن طعون النكاية المقدمة التي أخلطت بين دور اللجنة الفرعية ودور الأجهزة الأمنية ودور المراقبين ولم تفصل بينهما ، فكثيراً ماكانت مجامعنا التي تعقد من اجل إيجاد التسويات ، ما يسيطر على أجوائها روح ادعاء التفوق و القبلية وشحنائها وذلك صار مبرراً إلى حد ما ، ولكن بعد صدور حكم محكمتنا اضيف لنا عنصر جديد لإشكالياتنا المتعددة ليسيطر على أجواء مجامعنا “من هو صاحب الشرعية المحلية ” هل هو منتخب سابق انتصر وانتهت ولايته ؟ أم منتخب جديد طعنت فيه محكمة؟ ” أم لجنة تسييرية تلغى الاثنين معاً؟” أم إعادة انتخابات في ظل الانقسام السياسي والمعارك العسكرية بعد إفلاتها فيما سبق من مذكرات إعاقة قيامها ” ويغذي كل ذلك خلفياتنا الاجتماعية وأبعادها التي كان لها دور محوري في عجز السلطة المحلية السابقة في إنجاز مهامها وفوق كل ذلك حال المدينة التي تنظر نهاية هذا المخاض لتلتفت إليها السلطة المحلية وتتفرغ إلى الوضع الخدمي غير المستقر وحتى وإن ولدت سلطة محلية جديدة فإنها ستولد معاقة وعاجزة لأنها ولدت على تخوم مشاريع أخرى لن تتعاون معها مهما تعاظمت الخطوب وليس ماسبق في إطار الدعوة لتقديس العمل الانتخابي بقدر ماهي نظرة مجردة من أي تبعية واكبت مسار العملية الانتخابية والمخاض السياسي والاجتماعي قبيل العملية الانتخابية وتحذر من مغبة إعاقة مثل هذه القيمة التي نلجا إليها بعد تعسر وعجز في العمل السياسي والخدمي لذا الأحرى بنا مهما كانت النتيجة الدفاع عن القيمة الانتخابية طالما انها كانت الخيار .