محمود السالمي
قراء فسانيا الاعزاء …
الحديث عن الاغنية الليبية ، هو حديث ذو شجون وشؤون ، وقد تتفرع بك المسارب حين الحديث عنها ولا يردك شاهد العقل الى ممر رئيسي تعود منه الى جادة الحديث ، واثناء كتابتى لهذا الموضوع خطر فى بالى سؤال فرعي فى حديثى عن الاغنية الليبية ، ولكنه محورى وهام يتعلق بدور المرأة الليبية الشاعرة فى كتابة الاغنية ، وهل هناك من النساء من كتب الاغنية او لحنها او اضاف لها شىء جديد ، ام انها ضلت حكرا على الرجال الشعراء فقط ، ولا شك ان هناك من سيجيب على عجل نعم ، هناك نساء كتبن الاغنية فى زمن مبكر جدا ، ولكن عندما اردف السؤال الاول بسؤال اخر وهو اين هو الشاهد على ان الاغنية الليبية شاركت نسوة فى كتابتها لا تجد جوابا شافيا ترد به الا فيما نذر … اننى هنا لن ابتعد كثيرا وسأعود الى المرجع الاول الذى اعتمد عليه هنا وهو الفن الشعبي القديم ، ففى الجفرة عرفت عدد لا بأس به من النساء اللواتى شاركن فى التأسيس للاغنية ، او كانت بداية الاغنية بهن .. ولعل شاهدي هنا هو اغنية نخيخة عرفتها باكرا ، وعرفت ان قائلها امرأة مسنة توفيت مؤخرا ، ولا ادري ان كان لها غيرها ، اغنية هى :
ليا هف موال غابي ايحيرن * محاسة ايديرن * و لايعرفن ينزلن لا ايطيرن
هكذا كانت البداية .. فهى تتذكر موال او سريب او ذكرى شخص غابي اى مخفى لايظهر ، وحين الذكرى ولكونها امرأة لا تجد الا الدموع وسيلة لاضهار ما خفا ، وقد سجل لنا السجل التراثى ان رجلا اضاف عليها فقال :
ليا هف موال ضافى قناعه * مخوتم صباعه * ايجولن تقول راكبتهن نزاعه … ايموتن ولا يطلبنشى شفاعة * ولا يستخيرن * على زول فى الجيل مالا نضيرن
ليا هف موال غالى عليهن * كبايا ايديهن **ويتحيرن نومهن ما ايجيهن * ايسيلن على زول غالى عليهن * عشقهن صغيرن * وواتى لهن غير ساعة ايجيهن .
فليس غريبا على المرأة الليبية ان تكون مشاركة فاعلة فى كتابة تاريخ الاغنية الليبية خاصة اذا ما عرفنا انها كانت تقول الشعر وتبنى غناوة العلم ولها فى الاعراس اسلوب خاص بها ،، واننى هنا فى الوقت الحالى لا اجد دليلا يذكر ويشار اليه ويشاد به فيما اعرف سوى السيدة الفاضلة المرحومة ( خديجة الجهمي ) تلك المرأة الفريدة فى عصرها والتى كسرت قيود العادات والتقاليد وخرجت لتكافح فى معترك الحياة وفى زمن صعب كان كل شىء فيه عيب ، فقد تحملت الكثير من اجل اداء رسالتها الاعلامية والتعليمية وتحملت المسؤولية فقامت بها وادتها على احسن وجه فضربت بذلك مثلا رائعا للمرأة الليبية قوية الارادة والشخصية ، ففرضت على الجميع احترامها وتقديرها ، واسدت للجميع النصح والارشاد والتوجيه بلهجتها الليبية واسلوبها الرائع وطريقتها العفوية والمقنعة فى الاداء وفى شعرها الذى سجل لنا فى مجال الاغنية قولها :
خطمت يا شبه الغزال عليا * حايتن والروح رجعت فيا
حييت امالى ** ياطيف عاش اسنين جوا خيالى .. تمنيت لو نلقاك صورة حية
دنيتى ضحكت لى ** وليام وين بقيت لى زهيت لى
عايشة حياتى عيشتى حليت لى ** والسعد جا عندى وبين ايديا
خطمت يا شبه الغزال عليا * حايتن والروح رجعت فيا
والى جانب الشعر وتأليف الاغاني قامت المرحومة خديجة الجهمي او بنت الوطن بتقديم العديد من البرامج الاجتماعية والتربوية الناجحة ، كما اسهمت فى ارساء دعائم المجلات الخاصة بالطفل ، والمرأة واثرت حياتنا الادبية فى بلادنا ومازالت بصماتها واضحة فى كثير من المجالات ، انها صورة انسانية رائعة ، صورة تدل على انها امرأة نبيلة ، وان كانت هذه السلوكيات تعكس الى حد ما روح المرأة فى عصرها وهي تدل على مجتمع راق فى قيمه ، واخلاقه ، ولكن السيدة خديجة الجهمى رحمها الله او بنت الوطن اكدت تميزها بفكرها ونضرتها للحياة اكثر من نساء جيلها ، شخصية واثقة فى نفسها ومن شاعريتها ، ولعلى هنا لم اجد شيئا يمكن ان يقدم فى هذا الموضوع اكثر مناسبة من اغنية :
ياغالية يا حب قلبى كله * يا شمس بانت والسحاب تجلى
امل الحياة فى عيونك ** والود وافى ما قدرت انهونك
الياسمين طرحة فوق من جبنونك ** عينى على غزيل جفل من ظله
اه يا هوا ناديها ** بكلمة غلا مش قادر اناغيها
يزهر ورود الحب بين ايديها ** اللى زينها نور الهلال تعلا
عرض الوفا على هالى ** ما يوم تاركنى غلاك الغالى
كلمة حبيبي نور ليل امالي ** لا تنتسى من القلب لا تتخلا
هذه الاغنية التى صارت تغنى من جميع المبدعات وتعنى : الوطن .. وكل معنى سامى .