فسانيا / زهاية عبدالسلام أبوبكر.
بين النص الديني والعرف الاجتماعي تحرم المرأة من حقها المشرع ، على الرغم من وضوح النصوص الشرعية التي تكفل للمرأة حقها في الميراث، إلا أن هذا الحق ما زال حبيس العادات والتقاليد في بعض الأسر الليبية. تُسلب المرأة حقها الشرعي تحت ذرائع اجتماعية واقتصادية تُكرّس ممارسات تمييزية عمرها سنوات. بين ضغوط الأهل والخوف من “شبح القطيعة”، تقف الكثير من النساء حائرات، إما الرضوخ للصمت أو مواجهة مجتمع قد لا يرحم.
في هذا التحقيق، نسلط الضوء على قصص نساء حُرمن من الميراث في تحدٍ صارخ للقانون والشريعة. نغوص في تفاصيل معاناتهن، ونسأل: من يحمي حق المرأة؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يتجاوز قيود العرف نحو عدالة تكفل الحقوق للجميع؟

تغليب الجانب العرفي في هذه المسألة.
فتحية من الغرب الليبي، تقول إنّ لها أختاً واحدة مقابل خمسة من الذكور، توفي والدهم لكنهما لم تنالا نصيبهما من الميراث، وكانت كلّ أملاك جدّها من أبيها باسم أبيها، فقد مارس والدها الأمر نفسه مع عمّاتها، فلم يعطهنّ نصيبهن ، ولم ينل الميراث إلا هو. الأمر يتكرر بحذافيره كابراً عن كابر، ويورث مرارة في نفوس النساء اللاتي يرين ميراثهن في أيدي الذكور دون القدرة على نيله أو انتزاعه.
فعندما طالبت فتحية بحقّها من إخوتها -الذين فوجئوا بظنّهم أنها لن تفعل ذلك جرياً على سكوت نسوة أخريات عن هذا الموضوع، كونه عرفاً جارياً في البلاد- كان ردهم: “ليس لدينا بنات يرثن آباءهن، وعائلة (……) لا تورّث النّساء“.
بقيت فتحية تتحيّن الفرص من أجل العودة إلى موضوع الميراث المسلوب منها، حتى سمعت أن إخوتها باعوا بعض أملاك والدها لأناس من خارج العائلة؛ أي أن ما كانوا يدّعون خشيته، وهو تبدد أملاك العائلة بوصولها إلى أيدي الآخرين، قد وقع بالفعل.
عاودت فتحية إحياء الموضوع مجدداً، وطالبت إخوتها أن يعطوها وأختها نصيبهما فيما تبقى من ميراث -وهي قطع أراضٍ كثيرة- كحصة ذكرين وليس أنثيين، حتى تسامحهم في القسمة الأولى. تمسّك الإخوة بموقف العرف القبلي، ولكن وبعد محاولات مضنية، تنازل الإخوة وأعطوها مبلغاً مالياً مقابل نصيبها في المبنى الذي بِيع، من دون أن تدري ما قيمته، وكم سعر البيع حينها.
تدرك فتحية أن ما بين أيدي إخوتها ليس مال أبيها وحده، بل هو أيضاً ميراث عمّاتها اللاتي لم يحصلن منه على شيء، ولكن لم تجد مناوراتها شيئاً، لا لها ولا لعمّاتها، وظلّ الإخوة يبيعون الأراضي كلما احتاجوا لتزويج أولادهم أو صيانة منازلهم… وغيرها.
كانت فتحية تنكّس رأسها، عند مرورها بالقرب من مبنى تعتقد أنه -أو جزء منه- كان يجب أن يعود إليها بحكم الشرع، ولكنّها اليوم عازمة أكثر من أي وقت مضى على نيل حقها؛ حتى تكون مثالاً لغيرها من النساء في الحصول على حقوقهن المشروعة من المواريث.

و في قصة أخرى كانت ” فاطمة ” واحدة من أربع شقيقات، ولهن أخوين من الذكور. بعد وفاة والدهم، انفرد الذكران بجميع الإرث من العقارات، وخرجت الأخوات خاليات الوفاض، كون والدهم يمتلك عقارات تقيّم بملايين الدنانير.
يتعمّد الإخوة الذكور منع أخواتهم من الجهر بالشكوى، أو التقدم إلى المحاكم، أو مجرد الحديث عن هذا الموضوع ، استعانة فاطمة مع المحقق بمحرر عقود ودلّته فاطمة على جملة العقارات التي تركها لهم الأب عند وفاته، وبعد حساب جملة العقارات وتثمينها بالسعر الحالي، وحساب الفريضة الشرعية للمواريث، تبيّن أن لفاطمة من العقارات ما يقارب 2.7 مليون دينار ليبي (أي نحو ثمانمائة ألف دولار أميركي).
الأمر نفسه تمّ تطبيقه على العقارات التي ورثتها فتحية وإخوتها، وأجريت عليها العملية التقييمية، وتقسيم المواريث بحسب الفريضة الشرعية بينها وبين إخوتها؛ ليتبيّن أن ما لفتحية من هذا الميراث يعادل تقريباً المليون ونصف المليون دينار (نحو ثلاثمئة ألف دولار أميركي).
وشاركت إحدى الأمهات لثلاث بنات تجربتها مع حرمانها من الميراث بعد وفاة زوجها، حيث تعرضت لمعاملة قاسية من قبل عائلته. أكدت أن علاقتها بالعائلة كانت سيئة، وقد تفاقمت الأمور مع ظهور موضوع الميراث.
تحدثت عن الضغوط التي واجهتها للتنازل عن حقها وحق بناتها، قائلة:”نعم، تعرضت لضغوط من إخوتي” تحت ذريعة الحفاظ على الود بين العائلتين.
وأوضحت أن هذا الوضع الصعب دفعها للخروج من منطقة الضعف إلى منطقة القوة، مما ساعدها في إعادة بناء نفسها. ورغم وجود بعض الدعم من محيطها الاجتماعي، إلا أن هذا الدعم لم يكن كافياً.
وأضافت أنها توجهت إلى القانون، لكنها وصفت التجربة بأنها “سيئة”. ورغم محاولات الصلح والحلول العائلية، لم تجد ما يكفي من التغيير.

وفي رؤيتها للحلول، أكدت أن الدعم من الأهل أمر مهم، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون القانون في صف النساء وفق الشريعة الإسلامية.
وأشارت إلى أن السبب الأكبر لاستمرار هذه القضية هو “ثقافة بعض الأفراد” الذين يسعون لاسترجاع الميراث وحرمان المرأة من حقها.
و روت “خديجة محمد” قصتها مع حرمانها من الميراث ” حيث قالت إنها هي الفتاة الوحيدة لوالديها ، و كان لها أخ واحد ، و لكن تعرض والدها و أخوها لحادث سير أودي بحياتيهما و كان الحادث قد جرى في الطريق بين الجفرة وسرت سنه 2002 ، كانت خديجة متزوجة وعندها أطفال و كان وضع زوجها المادي ضعيف جدا ، و بينما والدها ترك لها ميراثا يساعدها على العيش بهناء و رخاء و لكن أبناء عمومة ولدها تصدوا لها و منعوها من حقها في الميراث بسبب أنها متزوجه ، و لكنهم في المقابل أعطوا والدتها جزءًا من الميراث.
وذكرت ” كنت أرغب بمقاضاتهم و المطالبة بحقي و لكن زوجي منعني من ذلك خوفا من قطع صلة الرحم و خوفا من الخلافات التي ستنتج عن المرافعة أمام القضاء ، و لهذا وافقت لطب زوجي ، و لم أرفع قضية ضدهم ، كنت أتمنى أن ينصفوني و يمنحوني جزءًا من حقي و لكنهم لم يشعروا بتأنيب الضمير و لو للحظة .
وقال الشيخ ” حسن الرقيق ” إن الحكم الشرعي في الإسلام حول توزيع الميراث بين الورثة هو فرض من الفرائض و واجب من واجبات الإسلام في الكتاب والسنة.
وبيّن “لا يجوز حرمان المرأة بأي حال إلا أن تقوم هي بعد تقسيم التركة بالتنازل عن حقها إذا أرادت عن طيب خاطر لمن تريد.

ويضيف “بأن تستعيد المرأة حقها الشرعي إذا حُرمت منه عن طريق الحل الاجتماعي أو المحاكم والقضاء توكل محاميا ليأخذ لها حقها. أو تتقدم بشكوى للقضاء مباشرة وهو يأمر باستعادة حقها بعد التأكد من ذلك .
ويشير إلى أن ” العادات والتقاليد لا يعترف بها الإسلام خاصة إذا كانت مخالفة لكتاب الله فالميراث حق من حقوق الله جعله للورثة دون استثناء وحكم فرضه الله عز و جل وتعطيل أحكام الله يعاقب عليها فاعلها ويعتبر من الظالمين في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).
كما بيّن أيضا ” أن مسؤولية رجال الدين هي التوعية في الدروس وخطب الجمعة والمناسبات وعبر وسائل الاتصال المختلفة أما الإجبار وأخذ الحق بالقوة فهو مهمة الحاكم المتمثل في القضاء ، كما أردف ” تساهم المؤسسات الدينية في الحد من هذه الظاهرة عن طريق المؤسسات بالدعوة والإرشاد بكل الوسائل المتاحة والمساهمة في المناهج المدرسية لتوعية النشء وجمع التلاميذ والطلبة وتوعية الجميع بخطورة هذه الظاهرة.
ويؤكد أن ” عقوبة أكل الميراث يعتبره الشرع ظالما وسارقا ومحتالا لقول الله تعالى في سورة ص (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض) وكذلك الميراث حد من حدود الله فقال تعالى: ( وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) ، وحديث الرسول الكريم صلى الله وسلم الذي يقول:(من فر من ميراث وأورته قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة)أخرجه الإمام ابن ماجه ، وهو حديث أنس بن مالك.. أما القانون الليبي يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر وإرجاع الميراث لصاحبته للمرأة و الوصية التي تتعارض مع أحكام الشرع لا يوجد بها لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
وتقول” المستشارة القانونية فاطمة درباش ” جاء القانون رقم 6 لسنة 1959م بشأن حماية حق النساء في الإرث في سبع من مواده ونص على أن يكون ميراث النساء وتعيين أنصبتهن طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث ، ويقصد بالامتناع عدم تسليم المرأة نصيبها في الميراث أو الحيلولة دون انتفاعها به أو تصرفها فيه أو حبس غلته عنها أو عدم تمكينها منه مباشرة ما للمالك من حقوق أخرى على ملكه كل ذلك بشرط أن يكون استحقاق المرأة ثابتاً سواء بالإقرار به أو بصدور حكم نهائي من جهة مختصة.
وتضيف ” نص في مادته الثالثة على أن إذا نازع ” واضع اليد” على التركة في حق المرأة في الميراث أو في نصيبها فيه وجب عليه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ مطالبة المرأة بحقها في الميراث بطلب على يد محضر أن يحضر إلى المحكمة المختصة للفصل في النزاع فإذا مضت هذه المدة اعتبر مقراً بحقها في الميراث وبنصيبها فيه ، على أن تكون العقوبة بكل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب عليها بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث.
وتؤكد على أن ” حرمان المرأة من نصيبها في الميراث هي استئثار الجاني بتملك حصتها لنفسه، أي إرادته في أن يحل محل المالكة في سلطانها على المال في صورة النصيب في الإرث وأن يستعمله وينتفع به ويتصرف به بالبيع والتبرع، ونية التملك لنصيب المرأة من الفرع الذكر يعد استيلاء عليه بغير وجه حق، وهو عمل غير مشروع شرعا وقانونا.
وتنوه ” موضوع حماية حق النساء في الإرث تكمن الإشكالية بالغة الأهمية وتتمثل في ماهية الحماية الجنائية التي أقرها المشرع الليبي لأداء هذا الحق في التركة.
و تابعت ” إذ أن المشرع لم يكتف بالتنظيم المحكم للتركة في القانون المدني وما يتوجبه فض المنازعات حولها في قانون المرافعات، بل جرم الامتناع عن أدائها في قواعد خاصة بموجب القانون رقم (/06 1959 )م ، وهي تأتي مكملة للقواعد العامة في قانون العقوبات، بحيث يصبح الالتجاء إليه أيسر في صورة مطالبة المرأة لأداء نصيبها في الميراث.
ما الفرق بين الأحكام القانونية والشريعة الإسلامية في توزيع الميراث؟
أعربت ” فكما نعلم أن الميراث جاء مفصلاً في القرآن الكريم بآياته تفصيلاً لا يحتمل المرونة أو التحايل أو اللبس وتكمن في أنه في شرع الله الذي بلغه رسول الله عليه الصلاة والسلام نظمت المواريث كوسيلة لنقل الملكية بشكل بديع تفصيلي لتصفى نظاماً مالياً يتميز بالحكمة والعدل، ويتقرر بموجبه للإنسان ذكرا كان أو أنثى ما له مما تركه مورثه من أموال وحقوق، وكيفية تصفية التركة والمواريث من حيث مركز الوارث، أو نسبة الحصص لكل وارث، وما هي أهلية الوارث وموانع الميراث، وتحديد الوصية وحالات الحجب من الإرث.
بالتالي فإن شرع الله وفر حماية للحق المحتمل في الإرث، لما قد يلجأ إليه بعض الأشخاص – لأسباب مختلفة – إلى التحايل على شرع الله في نظام المواريث، فنجد في الشريعة الإسلامية والقواعد القانونية تسن بموجبها هناك تحسب شرعي وقانوني للحد من الأضرار التي قد تلحق بالورثة بهدف الموازنة بين المصالح، فقيّد الوصية والتصرف في مرض الموت، والبيع لوارث متى اقترنت بقرائن تثبت نية التحايل على الحق في الإرث.
ولم يكتف المشرع الليبي من بسط حماية الحق في الإرث من ناحية الشريعة الإسلامية في العموم فقط، إنما ذهب إلى توفير حماية للحق في الإرث بالنسبة و للإناث فقرر حماية لحقهن في الإرث من اعتداء الذكور حيث رصد عقوبات جنائية ومدنية بموجب المادة رقم 5من القانون رقم ( 06 لسنة 1959 ) م تتمثل في العقاب بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث.
ماهي التحديات القانونية التي تواجه المرأة عندما تسعى للمطالبة بحقها في المحاكم؟
فميراث المرأة هو حق شرعي وليس تفضلا، وأي حرمان لها منه هو مسلك ( مجتمعي فاسد) ، وبعيد كل البعد عن الدين، والتطبيق القانوني السليم أصاب ، فالمرأة ترث استنادا لإنسانيتها في التمتع بالحقوق، المشرع الجنائي الليبي بتجريمه، والامتناع عن أداء ما تستحقه في التركة ينال من هذه الإنسانية والحقوق معا، والتي هي تكريم من الخالق سبحانه وتعالى القائل {.. ولقد كرمنا بني آدم}؛ وبني آدم هم إذا ثبتت البنوة للأصل ثبت حق الإدلاء للأصل بالتوارث كل ذكر وأنثى ؛ ومن ثم الامتناع عن أكل للمال بالباطل.
الحاجز الاجتماعي وربطه بالامتناع عن المطالبة بالحق في الميراث ، وكذلك الضغوطات الاجتماعية والعرفية تشكل تحديا وعائقا أمام تحصيلها لحقوقها، ضعف الجهود من رجال الدين بالسلطة التي يملكونها للضغط على المجالس الاجتماعية والمجتمع ككل يبين التقصير الواجبي من قبلهم.
وتطبيق القوانين الخاصة بالميراث في ليبيا فالحماية الجنائية؛ في النصوص القانونية الليبية تعني حماية وقائية تمنع الأخرين من الناس أو الشركاء في التركة وخاصة الذكور من محاولة منع حق النساء في الإرث ،لأن “معضلة المرأة الليبية تكمن في المنظومة القيمية والثقافية المجتمعية، والفتاوى الدينية (المعبرة عن تفسير صاحبها للنص الديني القابل للتأول”، وبالتالي فإن حق النساء في الإرث يعد التزاماً قانونياً وأخلاقياً بين الورثة، والخروج عن هذا الالتزام يترتب عليه الملاحقة الجنائية عندما جرم المشرع مجرد الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الإرث، كما نصت المادة 2من القانون رقم ( 06 لسنة 1959 )م وذلك باعتباره حقا من الحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الإسلامية طبقا للمادة 14 من قانون العقوبات الليبي.
والتعامل مع الضغوط الاجتماعية التي تمارس على المرأة للتنازل عن ميراثها الثابت، إن هذا التجريم للامتناع فرضته الضرورة الاجتماعية، يمنع استلام المرأة لأي حق والنظرة النمطية السائدة للمرأة، والتي تقف سدا، فالعادات والتقاليد ترفض ذلك بما تحمله من هيئة تابعة ناظرة دونية للمرأة وعدا للرجل وأقل مرتبة، فالمجتمع يعيب على المرأة المطالبة أصلاً ، وحقيقة أخرى هي أن الطمع الذكوري يكمن وراء ذلك كله مما يوجب تحقق الجريمة بثبوت الامتناع فهو مظهر خارجي و إن كان يصعب إثبات قيام علاقة السببية والنتيجة” وتحقق الامتناع ابتداء، أم يبنى على مطالبة ؛ فإن ما يفهم هو ربط المشرع تحقق الامتناع بالمطالبة التي تتقدم بها المرأة إلى المحكمة على يد محضر لإصدار أمر ( الحكم ) بالأداء. المادة (778 ، )ل.م.م – فالمشرع افترض أن هناك واضع يد على التركة وقد يمتنع عن التسليم، فترض وهو الواقع وإلا إذا انتفى الحائز ، فلا ممتنع عن التسليم نازع كما نصت المادة وقد ينازع كما نصت المادة03 من القانون رقم ( 06/ 1959 ).
وحماية المرأة من الإقصاء عند المطالبة بحقها فالمشرع نص صراحة بعد الاعتراف بالأنصبة في الحق في الإرث للنساء وفق الشريعة الإسلامية طبقا للمادة 01 من القانون رقم ( 06/ 1959 ) م ،والمعززة بالمادة 14 التي نصت بأن أحكام قانون العقوبات:” لا تخل بأي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الإسلامية الغراء”. ومن ثم قرر في خطوة استباقية بالنص صراحة في المادة ( 02/ 01) من القانون رقم ( 06/ 1959 ) م على ” :أنه لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث “.

فمجرد الامتناع طبقا للقانون رقم ( 06/ 1959م) كان بنص تكميلي، وهذا يعلي القيمة القانونية لموضوعه باعتبار أن المشرع جعله لأهمية موضوعه من الجرائم الموصوفة التي وجب التنصيص عليها في قانون خاص كهذا، وجريمة الامتناع هذه يمكن التعرف عليها بتحليل محتواها، وذلك بإبراز ما تتشكل به من المعطيات والتي الراجح فيها فقهيا عنصرين وهما: الأفعال التي تشكل الركن المادي ، وماهية العلم والنية، أي القصد العمدي الذي يشكل الركن المعنوي.
والخطوات القانونية التي تنصح المرأة باتخاذها لحماية حقوقها ،حماية حق النساء في الإرث ، إلى أن التقاء الشريعة الإسلامية والقانون؛ مفاده: أن حماية الحقوق ، وأن هذا القانون اهتم بحق المرأة في وقت مبكر زمن دولة الاستقلال، و ضمن أداء ما تستحقه المرأة من نصيبها من الميراث.
إن المشرع الجنائي الليبي كان ثوريا في هذا الاتجاه الحمائي باعتماد أثر إجرائي استثنائي يعتمد على أمر الأداء في قانون المرافعات
كذلك على الأوقاف الضغط كما في باقي المسائل على المجالس الاجتماعية وربط هذه الأمور بالمواضيع الحساسة التي لا ينبغي الاستهانة بها أو مساسها، والتوعية عبر منابر المساجد؛ ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني المحلية البعيدة عن الفكر الأجنبي المحارب للإسلام.
وترى الأخصائية الاجتماعيه عائشة محرز ” أن علينا العمل على توعية المرأة بحقوقها وذلك قد يكون عن طريق التوعية الحقيقية بورش عمل من قبل القانونيين إلى المرأة والرجل على حد سواء، أما إذا المعالجة الحقيقية ستكون عن طريق غرس القيم في الرجل والمرأة منذ الطفولة وإعطاء هذا العلم بمنهج الدراسة وأما عن المطالبة بالحقوق من قبل المرأة يجب عليها معرفة ماهي واجباتها قبل حقوقها أما عن الميراث والمطالبة به حق مشروع من الله والسكوت عليه يرجع إلى شخصية المرأة ومدى معرفتها بذاتها وبدينها.
و توضح أنه ” تمكنت منظمة المبدعة من إعطاء ورشة عمل بعنوان:( حقوق المرأة في الإرث) و نشرنا فيديو ومشهدا تمثيليا يحاكي هذا القانون، الأسباب وكيف نبني مجتمعا يحمل القيم الإسلامية ونشر العدالة في الأسرة والمحافظة على العلاقات بينهم.
بيّنت ” و أما بالنسبة للآثار الجانبية فهي تسبب في التفكك الأسري في المجتمع ، و ضعف الوازع الديني بين أفراد الأسرة مما يتنج عنه مجتمع ضعيف بعيد عن القيم الدينية السمحة ، وأيضا مما ينتج عنه أفراد محرومون من الحقوق يسبب الضغينة والانحراف النفسي واحتمال أن يصل ذلك اليوم الجرائم.
أكدت ” العلاج أو طريقة الحل تكمن في تنفيذ دورات توعوية تهدف إلى معرفة الحقوق والواجبات في علم المواريث للمرأة والرجل والتأكيد على أن تشمل المناهج التعليمية المواضيع المتعلقة بذلك العلم والذي جاء به الدين الإسلامي في القرآن والسنة من الطفولة في المدارس غرس قيم إعطاء الحق لأصحابه المحافظة على مجتمع خالٍ من المشكلات وقضايا الفساد والكذب والطمع.
ويرى عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة مصراتة موسى القنيدي بضرورة وجود توعية حقيقية فعلية تتمّ في الوسط الاجتماعي لرفع مستوى وعي بعض الناس، الذين يعرقلون هذه الحقوق الخاصة بالوارثات، قبل الحديث عن الدستور والقانون.

ويقول القنيدي ” لا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها ضرورة وجود شكوى من وارثة تطالب بحقها من إخوتها وأقاربها تستطيع بعدها النيابة السير في القضية.
ويعتقد أن جوهر المشكلة يأتي من خوف المرأة وعدم قيامها باتخاذ إجراءات ضد من يمتنع عن إعطائها حقها إلى جانب الأعراف والتقاليد مع تقاعس الجهات الحكومية التنفيذيّة عن القيام بواجباتها إن وصل الأمر إلى القضاء.
وهناك خوف أو اضطهاد تتعرض له المرأة من مسألة الشكوى ضد الأخ، وبعضهن -نتيجة عدم درايتهن- يقمن بالتوقيع على مستندات مقابل قيمة رمزية (ترضية) لإسكاتهن وتنازلهن عن حقهن في الميراث، وبعدها يقلن بأنهن أُجبرن على ذلك.
ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى التهديد بالقتل كما يجري في الأمثال الشعبية الليبية “الفلوس تغير النفوس” .
ختاما : تبقى قضية حرمان المرأة من الميراث في بعض الأسر الليبية قصة معقدة تتداخل فيها التقاليد والعادات مع الحقوق القانونية والشرعية.رغم الجهود المبذولة لتغيير هذه الممارسات، فإن الواقع يشير إلى أن النساء لا يزلن يعانين من التهميش والظلم في ظل على منظومة اجتماعية تُصر على تقليص دورهن في التركة. ولكن يبقى الأمل حياً في صراع النساء لاسترداد حقوقهن المسلوبة، سواء من خلال تغيير العقليات أو عبر تصحيح القوانين.














