الشيخ ..عيسي رمضان
العين حقٌّ ولها حقيقة، وآثارُها ظاهرة، ولا ينكرها عاقل، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (“اسْتَعِيذُوا بِاللهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ”).
فالعين قد تكونُ هي السببُ في الموتِ المجهول السبب، وقد تكون العين هي السببُ في المرض والبلاء الذي جهله الأطباء، وقد تكون العين هي السبب في تعطيل الزواج والخسارة في الصناعة وفي التجارة، والرسوب في الدراسة.
لذلك يرى الانسان من الابتلاءات في الدنيا الكثير مما يفوق الخيال وهذه تحتاج إلى تقوى ومخافة من الله لتزول عن الانسان ؛ لأن المبتلى قد يرتكب أمورا مخالفة لشرع الله ودين الله؛ معتقدا أن في هذه الأمور المخالفةِ النجاةَ كأن يذهب الى السحرة والمشوذين .
فبعض الناس يبتلى في نفسه بالأمراض المستعصية، والهموم والغموم المتتالية؛ فلا يربح في تجارة، ولا ينجح في دراسة، ولا يتم له مشروع…
وبعضهم يبتلى بموت الأولاد في طفولتهم، أو توالي الأمراض عليهم، أو ببكائهم المستمر جاهلا بالأسباب، وقد تعاطى سبل الشفاء والدواء فلم يفلح…
وبعض الشباب رغم فُتوَّتِهم وغناهم، أو بعضُ الفتيات رغم جمالهنَّ ومكانتهنّ، كلَّما اقتربوا من الزواج؛ فمنهم مِن الخُطّاب مَن ذهبَ ولم يرجع، ومنهنّ من رفضت أو رفض أهلها دون سبب، مع توفر الدواعي للقِران من كلا الطرفين، ومنهم يرى صورتها، أو ترى صورته؛ أقبح صورة ونحو ذلك.
فالمهموم لم يترك بابا إلا طرقه، والمديون لم يترك طريقا إلا سلكه، والمبتلى بالأمراض لم يترك مشفى أو طبيبا إلا زاره، ومن تأخر عنهم الزواج طرقوا أبواب الشياطين من الدجالين والسحرة والعرافين.
ألا يحتمل أنَّ هناك أمرًا فوق العادة، هو المانع من أسباب السعادة! إنه ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ألا وهو ما يُعرَف بالعين أو النفس أو النظرة؟.
فالإصابةُ بالعين ثابتةٌ موجودةٌ، ولها تأثيرٌ في النفوس، ولها تأثير حتى في الجمادات والأموال، فقد تستنزل الجبل العالي. قال الحكماء: والعائن =الذي يصيب الناس بالعين،= يَبعثُ من عينِه قوةً سُمِّيةً تتصلُ بالـمُعَانِ =هو الإنسان أو الحيوان أو المال= فيَهلِك، أو يُهلِكُ نفسَه، =فربما ترجع عينه عليه، كمن ينظر في المرآة ولا يذكر الله، ويتعجب من نفسه فترجع عينه عليه، قال:= ولا يبعدُ أن تنبعثَ جواهرُ لطيفةٌ غير مرئيةٍ من العينِ، فَتَتَّصلُ بالـمَعينِ وتتخلَّلُ مَسَامَ بدنِه، فيخلُق اللهُ الهلاكَ عندها، كما يخلقُه عند شُرْب السُّم، وهو بالحقيقة فِعْل الله.
وأكثر من يصابون بالعين هم الأطفال والنساء، ومن هو جميلُ الخلقة من الرجال، ومن عذبُ الكلام؛ يُعجِب من يراه أو يسمعه، وكذا كثيرو الأموال والأغنياء. حتى أولاد الأنبياء والصالحين والأصفياء، لا يَسلمون من العين والنظرة الحاسدة، لذا فقد كانوا يحصنونهم بالتعوذ والرُّقَى، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ)، =أي عند نومهما=، يَقُولُ: (“أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ”)، -قِيلَ: هِيَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ. تحفة الاحوذي(5/ 335).
هذه الأمور تحدث من بعض الناس، فيغفُلون وينظرون بعين الغفلة عن ذكر الله عز وجل، فإذا نظرت إلى ما يعجبك من نفسك أو من مالك، أو نظرت إلى ما يعجبك من أخيك أو ماله، فاذكر الله، وادع بالبركة لنفسك ولأخيك، ولا تكن عائنا.