فاصل ونواصل

فاصل ونواصل

  •  نيفين الهوني

في رحاب الشهر الفضيل

ها هو الهلال يلوح في الأفق، يعلن قدوم ضيف عزيز طال انتظاره، ضيف يُقبل علينا بنسائمه الروحانية، ويمسح على أرواحنا المثقلة بهموم الدنيا، ضيف نتهيأ لاستقباله بقلوب تواقة للصفاء، و نفوس متعطشة لنور الإيمان. إنه شهر رمضان المبارك، موسم الرحمة والمغفرة، وساحة التجليات الإلهية التي لا تضاهى.

وإذ نقف على عتبات هذا الشهر الفضيل، نتوقف قليلاً عن مقالاتنا السابقة، لنفتح صفحة جديدة، نستلهم فيها من روح رمضان ما يبعث السكينة في القلوب، وما يغذي العقول بنور الحكمة والمعرفة. سنبحر معكم في سلسلة مقالات بعنوان “في رحاب الشهر الفضيل”، نبحر فيها في بحر الشعر و في روحانياته وشعشعاته النورانية بنصوص شعرية  ، نتأمل فيها محطات هذا الشهر المبارك، حيث تزدان الأيام بالنفحات الربانية، وتتحول الليالي إلى مناجاة وسكون، يرتفع فيها الدعاء، وتأنس القلوب بالقرب من خالقها.

رمضان ليس كغيره من الأيام، فهو زمن مختلف، يحتاج منا إلى استعداد خاص، لا يقتصر على تجهيز موائد الإفطار وسلال الطعام، بل يمتد إلى تهيئة القلوب لاستقبال النور، وتطهير النفوس من شوائب الغفلة، وإعداد العقول للتأمل والتدبر. إنه موسم المحاسبة، وفرصة المراجعة، ودعوة صريحة لنعود إلى ذواتنا، فنبحث عن جوهرها، ونرسم لها طريقاً نحو الطمأنينة والرضا.

في هذا الشهر، تتجلى معاني العطاء بأبهى صورها، فتتسابق الأيدي في البذل، وتتنافس النفوس في صنائع المعروف، فيتحول المجتمع كله إلى كيان واحد، تسري فيه روح التكافل، وتعلو فيه قيم الإحسان. وما أعظم أن نجعل من هذا الشهر مدرسة للتهذيب، نربي فيها أنفسنا على الصبر، ونروضها على كبح الشهوات، فنرتقي بها من عالم الماديات إلى آفاق الروح، حيث اللذة الحقيقية في القرب من الله.

وما بين صلاة وتلاوة، وذكر وخشوع، تنكشف لنا حقائق الحياة، وندرك أن السعادة الحقيقية ليست في كثرة ما نملك، بل في صفاء أرواحنا، ونقاء قلوبنا، وطمأنينة نفوسنا. فرمضان هو شهر التغيير، يفتح لنا أبواب الأمل، ويمنحنا فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا، لنكون أقرب إلى ما خلقنا من أجله، وأصدق في سَعينا نحو الخير.

أهلاً رمضان

أهـلاً وسـهـلاً بـنـورٍ لاحَ مـن بعـدِ ♦ والروحُ تهفو لهُ شوقًا بلا حدِّ

يا موسمَ الخيرِ، يا نفحاتِ مُغفرةٍ ♦ جئتَ القلوبَ ففاضت أنهرَ الودِّ

الشهرُ وافى وسلَّمنا مشاعلَهُ ♦ كي نرتقي في سنا الإحسانِ والسُدَدِ

فالصومُ روحي، وليلُ الذكرِ زينتُهُ ♦ وطُهرُ أيامِهِ كالماءِ في الزُبدِ

يا بحرُ حدّثني عن يومي الأولِ ♦ عن نسمةِ الفجرِ في أنفاسيَ الخُضُدِ

عن دمعةِ العبدِ إذ نادى لخالقهِ ♦ وعن يقينٍ سكنّا بينَنا وغَدِي

عن لذةِ الصومِ حينَ الصمتُ يسكُنُنا ♦ وعن دعاءِ ارتقى من مهجةٍ وَجِدِ

يا موجُ رُدّدْ معي “اللهُ أكبرُ” كي ♦ تُبصِرْ صلاةً على الأمواجِ كالرشَدِ

رمضانُ عُذراً فإنا اليومَ مُقصرَةٌ ♦ لكننا نرجو العفوَ في المُددِ

يا شهرَ خيرٍ، أتينا نحوَ رحمتِكم ♦ نرجو القبولَ، ودمعُ القلبِ في خَدَدِ

فامنُنْ علينا بعفوٍ لا نفارقُهُ ♦ واغفرْ ذنوبًا ثَقَلتْ في كاهلِ الأبدِ

وفي ختام هذه الكلمات، ومع أول إشراقة لنور رمضان في قلوبنا، نرفع أكفّ الدعاء بأن يكون شهراً عامراً بالطاعات، وموسماً حافلاً بالخيرات، وأن يملأ الله أيامه بالسكينة والسلام لكل قلب نابض بالإيمان. كل عام وأنتم بخير، ورمضان مبارك عليكم، جعله الله شهر رحمة وعتق وغفران، وكتب لنا ولكم فيه الخير والبركة والقبول.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :