عجبًا ممن أطلقته الأمراض من أسرها.. ثم لا يدعوه ذلك إلى الازدياد من الطاعات.. ومبادرة العمر بالصالحات!
فما أحوجك – أيها المسكين – إلى ذخر تقدمه بين يديك.. يوم لا ينفع إلا صالح الأعمال!
أخي المريض: إن المبادرة إلى الصالحات؛ فعل الألباء.. وديدن الصالحين.. فلا تخدعنك بشاشة العافية عن يوم عافيتك الحقيقي!
قال رسول الله r: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك، قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
[رواه الحاكم/ صحيح الترغيب للألباني: 3355]
وقد كان الصالحون وهم في أشد كربات المرض؛ يبادرون إلى الطاعات.. ويسارعون إلى فعل الطاعات.. فحري بمن وجد حلاوة الصحة أن يكون أشد حرصًا على عمل الطاعات.. والتزود من الصالحات..
قيل لحسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار! وقيل: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة الطرفين أحيي ما بينهما!
فتأمل – وفقك الله – في همة هؤلاء الصالحين؛ صار حب الصالحات ديدنهم.. وسرور نفوسهم!
أخي المريض: فإياك والتفريط في ساعات العمر.. فإن الأيام وشيكة الانصرام.. وقد ذقت مرارة البلاء وأنت تعيش ساعات المرض.. فلا تبطرنك العافية؛ فتضيع ساعات عمرك في غير طاعة الله تعالى!
وقد قال النبي r: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة، والفراغ» [رواه البخاري].
قال ابن الجوزي: «قد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا؛ لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة؛ فهو المغبون، وتمام ذلك؛ أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله؛ فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله؛ فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم…».
أخي المريض: فلتغتنم أيام الصحة والفراغ.. ولتجعلها موسمًا من مواسم الطاعات.. لا عرف الانقطاع.. فإن ساعات العمر أغلى من أن تضيعها في غير طاعة الله تعالى..
واحرص على عمل الطاعات كحرصك على تحصيل الصحة أيام مرضك.. تفوز إن شاء بالعافية في الدين.. والسلام من كربات يوم الدين..