يا لا غدر السنين!
سليمة بن حمادي
التقيا صدفة بعد طول غياب في أحد أزقة مدينتهم التي شاهدت أروع وأطهر قصة حب. يا إلهي! إنه هو ..رغم جرأة اللون الأبيض الذي يتناثر بين خصلات شعره ..نعم إنه هو .. طول هامته التي تميزه عن أقرانه و خطواته التي تعرفها جيدآ.و سمار بشرته ..و عيناه السوداوان الجذابتان .رغم التغيرات التي طرأت عليه بفعل الزمن و زياراته الرديئة المفاجئة لحياته .. إنها تتقصى عن أخباره عندما تحين الفرص لذلك إنه هو.. ليت تلك الأيام تعود بكل ما فيها من تفاصيل ..بالأمل بالحب بالأحلام بالجمال بالروعة ..ليت شذى الصباح النادي وسقيع البرد الذي يسري في الأوصال يعود وهم يتغلبون عليه بالركض نحو المدارس..والأمل يرنو لمستقبل قادم..وقلوب تهدي محبتهم لهم وتدعو في جوف الليل وحين يولج النهار بأجمل الابتهالات من أجل سعادة تغمر القلوب ليت كل ما هو جميل يعود من حكاوي واكبت أعمارنا و وجوه رافقتنا أفراحنا وأتراحنا. ليت ملامح شارعنا تعود ورائحة بيوته البهية ..
خبزة التنور و خبزة الحوش و البخور وطبخ الطعام والحنة و و و… المحنة وقصة حب وليده تسكن الوجدان يمنعها حياؤها و خجلنا الاجتماعي من الإفصاح.. فقط هو ينتظرها أمام المدرسة كل صباح كي يلقي عليها التحية مرتبكا خائفا من عيون الناس ممسكا بكتبه قاصدا مدرسته هو أيضا أو يقدم لها وردة أو غصنا من الإكليل أو الريحان أو النعناع أو العطر تتلقفه من يده (بلصوصية بريئة) وكأنها ملكت الدنيا و يمضي إلى مدرسته بخطواته تلك والتي تعشقها تاركا قلبها يكاد يطير من مكانه فرحا مستبشرا… ولكن شاء لهذه العلاقه العدم عندما قال القدر كلمته وغدر الزمان بتفاصيلها وكل منهما اتخذ طريقا غير مقتنع بسبيله. مرت أمام عينيها تلك اللوحة و كأنها ( بانوراما ) والتي لم تغادر ذاكرتها كلما لاحت ذكراه إلى هذه اللحظه التي وقع نظرها عليه.. وهي واقفة متسمرة في مكانها متطلعة إليه بحنين السنين و وجد الفراق… في هذه الأثناء لاحت منه التفاتة إليها هرع إليها متفاجئا مبتسما مسلما من دون خوف ولا فزع من عيون الناس.. وهي كذلك.. الحديث لم تستوعبه الحروف ولا الكلمات بل اختصرته العيون وأحضان الأكف… فقد أصبحا كليهما في العقد السابع من السنين.