فى ذكرى ميلاد الملك الراحل

فى ذكرى ميلاد الملك الراحل

بقلم :: ميلاد منصور الحصادي.

مرت منذ أيام الذكرى المائة والسابعة والعشرون لميلاد الملك الراحل (محمد إدريس السنوسي) رحمه الله ، حيث ولد المغفور له يوم 2 مارس 1890 م فى واحة الجغبوب ، وقد جاء ميلاد هذا الرجل الصالح وحياته في أصعب المراحل والسنوات التى مرت بها ليبيا ، بداية من الاحتلال الإيطالي لليبيا مرورا بالحربين الأولى والثانية ،وعهد الإدارة الأجنبية ومن ثم دولة الاستقلال .
لقد كان لهذا الملك دور مهم وحيوي فى بناء دولة وكيان اسمه ليبيا ، ورغم مرور سنوات على نهاية حكمه إثر انقلاب سبتمبر المشؤوم ، فلم تتناول حياة هذا الرجل وفترة حكمه بالدراسة والتحليل بموضوعية وحيادية لكافة المظاهر السياسة والاجتماعية والثقافية التى مرت بها ليبيا ، فلم تصدر عنه دراسات تحليلية ..توثيقية ..علمية …واضحة المعالم ، ولم تدرس شخصيته بعيدا عن العواطف والاتنماءات السياسية والدينية والقبلية ، فأبواق سبتمبر ومن هم على شاكلتهم ، جردوا أقلامهم وإمكانياتهم للهجوم على هذا الرجل لدرجة اتهامه بالعمالة والخيانة والبذخ واللهو وغيرها من التهم الباطلة ، أما الطرف الآخر الذى رفض القذافي وسنوات الضياع فهو ينظر إليه كولي صالح وكرجل صوفي صاحب طريقة ، يسعون دائما لبيان البرهان والكرامة …دون أن يناقشوا أهم إنجازاته كرجل دولة وسياسي وملك لليبيا .
إلا أن كتابا صدر باللغة الإنجليزية عام 1983 م لمؤلفه (ايرل ديك كاندول ) بعنوان {الملك إدريس عاهل ليبيا – حياته وعصره } والمؤلف أحد كبار موظفي الإدارة البريطانية فى إقليم برقة في الفترة من 1946 حتى 1949 ، وقد ارتبط بعلاقة صداقة وثيقة بالملك الراحل ، وقد اضطر إلى نشر كتابه فى طبعة محدودة قوامها 250 نسخة على حسابه الخاص حين لم يجد دار نشر تنشر كتابه ، فى هذا الكتاب تناول الكاتب حياة الملك إدريس وأعماله ، استنادا على مجموعة من اللقاءات التى تمت بينهما فى بنغازى وبعض الرسائل المتبادلة ، لقد تناول هذا الكتاب القيم تاريخ الحركة السنوسية ونشأتها وتطورها ودورها التاريخي فى حركة الجهاد ، ودورها المهم فى حركة المجتمع الليبي ، كما تحدث عن اﻹرهاصات الأولى لقيام دولة ليبيا ودور الملك الراحل فى بناء دولة الاستقلال ،، إلا أن أهم ما يطرحه الكتاب ، هو الحديث عن شخصية الملك إدريس الإنسانية ، عن شخصيته السياسية والإصلاحية ،عن حبه للوطن ، تحدث عن سداد الرأي والرؤية الواضحة والقدرة على اتخاذ القرار في أصعب الظروف ، عن صبره وتحمله ..عن قدرته على امتصاص الصدمات ، عن زهده فى الملك وتقشفه وبعده عن زخارف الدنيا وملذاتها ، لقد أعطى هذا الكاتب الإنجليزي صورة صادقة لاطمع فيها أو انحياز للملك الراحل ، ولم يكن إصداره لهذا الكتاب عن طمع في حظوة أو مكسب مادي، بل جاء وفاء لذكرى صديق يعيش فى المنفى ، هذا المنفى الذي قضى فيه الملك أكثر من ثمان وثلاثين سنة بعيدا عن وطنه وأهله وموطن ولادته مقسمة بين نفي إيطاليا والقذافي .
يقول المؤلف فى كتابه: ((كما أن نفوره من الدعاية كان سببا فى جهل الناس بمدى التقدم الرائع الذي شهدته ليبيا في عهده، وهذا أمر مؤسف حقا لأن أغلب الإنجازات الهامة فى البلاد كانت نتيجة لمبادرات من الملك شخصيا ، وهو كان يأتمن وزراءه في أداء واجباتهم على أكمل وجه ، لكنهم خذلوه في كثير من الأحيان ، وكان يثق في ولاء شعبه ثقة عمياء ولا يتخذ أية إجراءات لحماية أمنه الشخصي ، فمحال إقامته ظلت دائما خالية من الحراس المسلحين ، ولم يرافقه قط أي حرس خاص أثناء رحلاته ، بل إنه أهمل حتى أبسط احتياطات الأمن المألوفة مثل طلب التحري عن خدم البيت قبل تشغيلهم )).
ويقول في موضع آخر من الكتاب: ((إن حرص الملك على المبادئ الدستورية جعله لا يحيد عنها في أي وقت إلا باتجاه التمادي في إطلاق الحريات الديمقراطية بالذات ، فهو من نواح عدة كان متقدما بمراحل على غيره من قادة الشعوب اﻹسلامية ، وهذا يتجلى بنوع خاص في موقفه من قضية حرية المرأة في بلاده ،فقد كانت ليبيا أول دولة إسلامية تمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات النيابية ))
لقد دفع الملك إدريس الكثير من حياته وصحته وماله وقدم أعمالاً جليلة ومكاسب إنسانية لهذا البلد الذى مازال يقابل هذا الجهد وهذه التضحية بكثير من الجحود والنكران .
رحم الله الملك إدريس السنوسي في ذكرى ميلاده ، وجزاه الله عنا كل خير وهدانا إلى طريق الحق والصواب ، الذي يبدأ بالعودة إلى إرجاع الحق إلى أصحابه .
ملاحظة: قام بترجمة الكتاب الأستاذ محمد حسين القزيرى رحمه الله وقد جاءت الترجمة فى لغة جميلة وشيقة ، وقام بطباعة الطبعة الأولى منه الأستاذ محمد بن غلبون رئيس الاتحاد الدستوري ، أما الطبعة الثانية فكانت عن دار الساقية في بنغازي .. إلا أن الكتاب يعاني من كثرة الأخطاء الإملائية التي ظهرت فى الطبعتين.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :